حلّ فصل الصيف, وحلّ معه موسم السباحة, ونتيجة ارتفاع درجات الحرارة واشتداد نسبة الرطوبة والإنقطاع المستمر للكهرباء, يرتاد الناس البحر بكثرة. لكن اللافت هذا العام حوادث الغرق المتكرّرة والمميتة, ما يطرح تساؤلات عدّة عن الأسباب, وما إن كان لتقلّبات الطقس علاقة بذلك, أم أنّ الأمر يتعلّق بالإندفاع وإهمال الإجراءات اللازمة من قبل محبّي السباحة؟
حوادث الغرق المميتة في لبنان, بدأت هذا العام في شهر أيّار, أي قبل الإنطلاقة الرسميّة لفصل الصيف, فهل من علاقة لأحوال الطقس وحرارته المتقلّبة بذلك؟
رأى رئيس قسم التقديرات في مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت الدولي محمد كنج, أنّ هذه السنة كانت إستثنائية, فالصيف حلّ قبل شهر حزيران, ونتيجة هذا الأمر بدأ الناس بارتياد البحر مبكرًا, ومن المتعارف عليه أنّ النصف الأول من حزيران تابع لفصل الربيع, وبالتالي يكون هناك تقلبات حراريّة قليلة, وهذا ما حصل فعلا, حيث كان هناك تقلبات في درجات الحرارة, وحدثت من 3 إلى 4 موجات حرّ خلال ذلك الشهر, تبعها تدنٍ في درجات الحرارة, فولّدت هذه الفروقات الحرارية تيارات هوائية أدت بدورها إلى ارتفاع موج البحر. وتابع أنّه عادة ما يرتفع موج البحر قليلا فوق المتر وربع المتر, ويكون توصيف البحر في هذه الحالة هائجا بحسب الأرصاد الجويّة ( من متر وربع إلى المترين ونصف يعتبر البحر هائجا), والناس عادة ترتاد الشواطئ الرملية, وهي التي تتكون فيها عادة التيارات المائية, ما نتج عنه حدوث حالات غرق عديدة.
ومن العوامل التي تفاقم أعداد الغرقى وفق كنج, ما له علاقة بوجود حرّاس الشواطئ , إذ يجب دائما أن يكون هناك إشارات ومسعفين أو منقذين بحريين لديهم خبرة, يستطيعون أن يلاحظوا بالنظر مكان وجود التيار المائي في البحر, الذي عادة ما يسير باتجاه معاكس لاتجاه الموج, فهو يكسر حركة الموج ويسحب المياه نحو داخل البحر, وهذا يجعل من لون المياه -من بعيد- معاكسا للون مياه الأمواج المتّجهة نحو الشاطىء.
كيف وأين يتكوّن التيّار عادة ومتى يكون خطرا؟ أجاب كنج أنّ التيّارات عادة ما تتكوّن على الشواطىء الرملية, نتيجة حركة الموج السريعة, حيث تعود المياه التي تحملها الموجة إلى الشاطىء, فإن رجعت بطريقة مشتتة, فهذا يعني وجود تيّار مائي, وإذا رجعت بطريقة منظّمة ضمن تيّار ساحب لعمق البحر, هنا تحدث المشكلة ويتشكّل الخطر, لأنّ حركة المياه تتنظم ضمن قناة تبلغ سرعتها بين المتر إلى 3 أمتار في الثانية, تسحب المياه التي حملتها الموجة إلى الشط عبر هذه القناة نحو داخل البحر, وكأنّه نهر معاكس لاتّجاه الموج, ويستطيع أي شخص من خلال اللون عبر النظر ملاحظة وجود تيّار في البحر.
عوامل عدّة أدّت إلى ارتفاع حالات الغرق
ولفت إلى أنّ التيّار يتكوّن عادة على الشواطئ الرملية, ويكون عمق الشاطىء في هذه المنطقة أكبر من المنطقة المحيطة به, فالتيّار يسحب معه الرمول, ما يجعل الأرض في منطقته منخفضة أكثر من محيطها, والناس (بتعلق) في هذه المنطقة, لأنّ سرعة التيّار تتراوح بين المتر إلى 3 أمتار في الثانية, ومن لا يمتلك خبرة في السباحة, ينهك ولا يعود قادرا على الخروج من التيّار, وبينما يحاول الإتّجاه نحو الشاطىء يسحبه التيّار نحو عمق البحر, فيتعب وتخور قواه ويغرق. أمّا طريقة الخروج الصحيحة من التيّار المائي فهو بمجاراته, ومحاولة الخروج منه تدريجيّا, أي من طرفه وليس مباشرة باتّجاه معاكس له مئة بالمئة.
وفيما خصّ دور مصلحة الأرصاد الجويّة في عملية التوعية, أشار إلى أنّ المصلحة تتحدّث عن حال البحر, نشاط الهواء, وقامت بتحذيرات بهذا الخصوص منذ بداية هذه السنة, أمّا على الأرضف هذا يتعلّق بالدفاع المدني أو المكلفّين على الشواطىء أو البلديات, مشدّدا على ضرورة وضع إشارات أو أعلام حمراء, تظهر بوجود تيّار في هذه المنطقة أو تلك ليتجنّب الناس السباحة فيها, لافتا إلى أنّ ما ساهم في تفاقم الوضع هو أنّ أكثرية الناس- وبسبب الضائقة الإقتصادية- لجأت إلى الشواطىء المجّانية الخالية من الرقابة, وهي المناطق التي حصلت فيها أكثر عمليات الغرق.
وختم كنج بتجديد تأكيده على أنّ هناك عوامل عدّة أدّت إلى ارتفاع حالات الغرق المميت هذا العام, منها بدء موسم الصيف مبكرا في شهر أيّار, وحصول تقلّبات وموجات حرّ كبيرة تبعها تدنٍ في درجات الحرارة, ما خلق حركة للأمواج سببها تقلّبات قويّة في حال الطقس, لافتا إلى أنّ هناك من ليس لديه خبرة في السباحة في البحر, والخروج من التيّارات المائية يحتاج خبرة. وشدد على ضرورة وجود رقابة وتحذيرات للناس مباشرة على الشواطئ, فمنهم من لا يطّلع على نشرات الطقس, ولا يعرف أيّ شيء عن التيّار المائي.
إلى ذلك, كان الدفاع المدني قد نشر , قائمة من التوصيات المتعلقة بالسلامة العامة خلال ارتياد الشواطئ والمسابح في لبنان مع انطلاق فصل السباحة أبرزها: أخذ اللوازم الضرورية للوقاية (واقي الشمس, مياه للشرب, قبعة للرأس, نظارات واقية للشمس...), استعمال المستحضرات الوقائية للحماية من أشعة الشمس باستمرار, احتساء السوائل خصوصاً المياه بكميات كبيرة ولا سيّما بالنسبة إلى الأولاد, مراقبة الأولاد باستمرار وعدم السماح لهم بالسباحة دون وجود مراقب, الإمتناع عن السباحة في الأماكن البعيدة وحيدا, أو عند ارتفاع الموج, الإمتناع عن السباحة مباشرة بعد تناول الطعام, عدم ممارسة رياضة التزلج على الماء أو قيادة الدراجة المائية Jet Ski من دون ارتداء سترة الإنقاذ, ارتداء سترة النجاة داخل القارب, عدم القفز من الأماكن العالية خصوصاً في المواقع الصخرية, وآخرها الإتصال على رقم الطوارئ ١٢٥ للتبليغ عن اي طارئ.
خلاصة القول..رغم ضلوع الطقس بشكل غير مباشر في حالات الغرق الأخيرة في لبنان, إنطلاقًا من تقلبّاته السريعة والمتكرّرة, أو نتيجة تبدّل الفصول, تبقى المسؤولية المباشرة على عاتق مرتادي الشواطىء, الذين يفترض أن يكونوا أكثر حذرا, فهناك ظروف تستحيل فيها السباحة فيكون موتا محتّما, حين تهمل الإحتياطات الوقائيّة والإرشادات اللوجستية والإنقاذيّة, فاقتضى التنوية والتنبيه للمواطن, وكذلك للجهات الرسميّة!
يمنى المقداد - الديار