"اتبع الشمس, تجاهل الرياضة, وتآلف مع الجوع تخسر وزنك".
اتبع الشمس؟ قفزت إلى خيالي صورة الفرعون أخناتون الذي عبد الشمس باعتبارها الإله الوحيد. وقبل أن أتنفّس, عاجلني الاختصاصيّ في الأمراض الجلدية بنصيحة مكوّنة من ثلاثية الإفطار المبكر السخيّ, والغداء المعتدل المتأخّر والصيام المطلق في الليل, خلا الماء. تذكّرتُ مثلاً شعبيّاً شائعاً في روسيا وأوكرانيا "إفطارك, كُلْهُ وحدك. غداؤك, اقتسمه مع صديقك. عشاؤك, أعطه لعدوك"!
كنتُ في وضع صحّيّ صعب. ضرب مرض مناعيّ نادر طبقة أساسية من جلدي وحطمها. وامتلأ ذلك النسيج الذي يغطّي الجسم كلّه بأنواع البثور والإصابات الموجعة القاسية. تفاوتت آراء الأطباء في علاجي, لكنّها أجمعتْ على ضرورة أن أنزل وزني الذي كان ثقيلاً.
حينها, جاءت نصائح, بل أوامر صارمة, في شأن خسارة الوزن. والأهمّ أنّها فعلتْ فعلها. خسرتُ وزني, والأهم أنّني لم أعد إلى البدانة.
البداية مع إلحاق طعامك بالشمس
لقد أطلقتُ على ذلك النظام الغذائيّ لقب "حمية ستِّي" بسبب بساطة أسسه, وانسجامه مع الحسّ البديهيّ, وكذلك, لأنّني طالما أحببتُ جدتي.
إذاً, ما الذي جمع "ستّي" مع أخناتون؟
على غرار معظم النباتات والحيوانات, يتبع جسم الإنسان الشمس عبر نظام داخلي وثيق. لا تقتصر الساعة البيولوجية الداخلية على تنظيم إيقاع النوم واليقظة, بل يتبع ذلك أشياء كثيرة, خصوصاً حرق السعرات الحرارية وتخزينها. في النهار, يحرق الجسم السعرات الحرارية كي يحصل على الطاقة اللازمة للعمل. في الليل, تنقلب الآية. ويلجأ الجسد إلى آليات تخزين السعرات, خصوصاً على شكل دهون.
إذاً, كُلْ إفطاراً سخيّاً. إذا أردت أكل الحلوى, فليكن ذلك في الصباح إلى ما بعد الظهر بقليل, بعدها, ستخاطر بتحويل الحلوى إلى مصدر غزير للدهون.
ليل الجوع القاسي
وتتمثل الصيغة المثالية في ألّا تأكل أيّ شيء, ولا حتى سعرة حرارية واحدة, بداية من اقتراب الشمس إلى المغيب وحتى صباح اليوم التالي.
لا شيء أشدّ قسوة من تصور عدم الأكل, بل ربما التضوّر جوعاً, طيلة الليل. أحياناً, يبدو أنّ مشهد اجتماع الأسرة على العشاء أمرٌ بديهيّ. هل إنّه كذلك فعلياً؟
والأرجح أنّ النقطة الأهم في الأمر كله هي التدرّج. لا تخسر وزنك بسرعة, لأنك قد تسترجعه بسرعة أكبر. عوِّد جسمك بصورة متدرّجة وبطيئة على "حمية ستّي" كلها, خصوصاً تخفيض الأكل ليلاً و"تبكيره" إلى بعيد المغيب, ثمّ الاستعاضة عنه بأشياء خفيفة كالخضار (وليس المقرمشات والشيبس والبيتزا المثقلة بالكالوري والدهون المضرّة والملح المخيف). ثمّ تدريجاً, امتنع عن الأكل ليلاً بصورة كلية. ستحتاج وقتاً. ولعلك ستخفق مرات ومرات وتعود إلى التهام ما اعتدت عليه, سواء أفي الليل أم في النهار. لا تقلق. دع نوبة "الفجع" تمرّ. سِرْ بها باعتبارها خطأ, ثمّ انسَ أمرها. وبعدها, تابع العودة إلى الحمية المتدرجة من النقطة التي وصلت إليها قبل تلك "النوبة".
تجنّب خطأ شائعاً في الرياضة
يبقى الأكل مسألة نوعية.
لا خلاف على أنّ المآكل السائدة في منطقتنا, وتسمّى "نظام الغذاء المتوسطيّ" Mediterranean Diet, تتّفق مع اتباع #نظام غذائيّ سليم. إذاً, لا تقلق. لا أوامر باتباع أيّ حمية مصطنعة. تابع أكل معظم ما اعتدت عليه. نعم, معظمه وليس كلّه. ومن دون لفّ ودوران, يعرف الجميع ما هي المآكل المثقلة بالضرر, من الحلويات والسكاكر المثقلة السعرات إلى المأكولات المشبعة بالدهون الثقيلة التي تتعب القلب والشرايين وتضرب أعضاء الجسم كلّها.
ولعلّ ما يخالف الحسّ البديهيّ في "حمية ستّي" هي مسألة الرياضة. إذ يألف الجمهور العام النظر إلى الرياضة كأداة لخسارة الوزن. لكن, لا تستطيع الرياضة, وهي ضرورية للجسد والعقل والحال النفسية, فعل أشياء كثيرة للشخص العاديّ.
لن أطيل الشرح, يصحّ القول انّ التمارين تحرق السعرات الحرارية, لكنّ الجسم يعتاد على الرياضة, ويخفض مستوى حرق "الكالوري". وبعد فترة من خسارة أولية للوزن, يعود مؤشر الميزان إلى أرقامه السابقة تقريباً.
إذاً, مارس الرياضة لكن لتنشيط الجسم وتغذية الهيكل العظميّ ودرء الهشاشة عنه, وشدّ انتظام القوام, و... و... و... لكن ليس لخسارة الوزن.
يفضَّل النظر إلى "حمية ستّي" ليس كـ"ريجيم" لخفض الوزن, بل كنظام بديل للأكل اليوميّ, يجب التّنبّه دائماً.