ما كان يُعتبر حكرًا على الرجال باتت النساء اللبنانيات تتقنه اليوم.. هذا هو واقع الحال داخل النوادي القتالية ومراكز التدريب في لبنان, التي باتت تعجّ بعدد كبير من النساء اللواتي قرّرن تعلم أسس الدفاع عن النفس, وسط ارتفاع خطير بمعدلات الجرائم, خاصة على مستوى السرقات.
فالصورة النمطية التي تقول بأن النساء لا يعرفن حمل السلاح الذي يعتبر حكرا على الرجال كُسرت في لبنان, إذ باتت أعدادٌ كبيرة من هؤلاء يحملن السلاح, ويتدربن على استخدامه وذلك لحماية أمنهن الشخصي, علمًا أن الدولة أصلاً كرّست عدم التمييز هذا داخل المؤسسة العسكرية التي تحتضن مئات النساء المُدربات على حمل السلاح, وهذا ما يؤكّده دكتور في علم النفس أشار لـ"لبنان24" إلى أنّ "النساء اللبنانيات يعين تمامًا أن مهمة الدفاع عن النفس لا تقتصر على الرجال أبدًا, وما نشهده من تطورات على صعيد تحصين النفس عبر التدريب أو التعلم على استخدام السلاح هو أمر طبيعي داخل أي مجتمع.. وفي طبيعة الحال فإنّ النساء اللبنانيات تمكّن من تحمل المسؤولية إن كان منذ بدء الحروب اللبنانية أو حتى خلال الأزمة الإقتصادية, وهذا ما يدل على قدرة هؤلاء على حماية أنفسهن من دون أي تردّد".
السلاح على الخاصرة
لا تتردّد ميساء, المرأة السبعينية, من حمل مسدس قديم تمتلكه منذ العام 1990, إبّان انتهاء الحرب الأهلية في لبنان.. ميساء, المقاتلة الحزبية, تؤكّد لـ"لبنان24" أنّها تعتبر من أمهر النساء في العالم العربي لناحية حمل السلاح.. كيف لا وقد تنقلت خلال 7 سنوات من الحرب الأهلية اللبنانيةبين المتاريس الحربية. تنظّف السلاح, تلقّمه, ومن ثم تستخدمه, إلى حدّ اعتبرته أنّه بمثابة ابنها الصغير.
تاريخ ميساء الحافل بأصوات الرصاص والمهارة باستخدام السلاح نقلته إلى ابنتها, التي باتت هي أيضا تُجيد استخدام السلاح, إذ توضح بأنّها تمكنت من الحصول على رخصة فرد شخصي صغير تستخدمه للدفاع عن النفس.
وبإجابة عن سؤال عما إذا ما استعملته أم لا, تقول:" إلى حدّ الآن لم اضطر إلى استخدامه, إلا أنّه وقت الجد سأكون مستعدة ومن دون أي تردّد".
عشق ميساء وابنتها لحمل السلاح لدوافع شخصية يتلخص داخل مراكز الرماية التي تحتضن أعدادا لا يستهان بها من النساء والفتيات الشابات اللواتي يقصدن هذه النوادي لعيش تجربة رياضة الرماية, بالاضافة إلى التدرب على إصابة الأهداف من السلاح.
في السياق, يقول السيد معروف أبو عقل, وهو صاحب أحد نوادي الرماية أن الإشتراكات شهدت منذ بدء الأزمة في لبنان ارتفاعًا بطلبات التسجيل عند النساء والفتيات اللواتي يطمحن إلى تعلّم هذه الرياضة أولا, والتدرب على استخدام السلاح.
ويقول أبو عقل بأنّه يمكن القول أن "أعداد النساء تضاعفت خلال السنتين الماضيتين, إذ الكثيرات منهن يشعرن بأنّ تعلم هذه المهارات أصبح ضرورة حتمية في ظل الوضع الراهن".
تدريبات قتالية
في سياق آخر, يوضح أبو عقل أن العديد من هؤلاء النساء نظمّن مجموعات خاصة ليتعلمن إلى جانب الرماية مهارات الفنون القتالية, وهذا ما يظهر بوضوح داخل هذه النوادي أيضا التي تشهد إقبالا كبيرًا من قبل الفتيات, إذ تؤمّن العديد من النوادي دروسا خصوصية وحصصا تدريبية مثل فنون الدفاع عن النفس, وتقنيات التوعية الأمنية, وإيجاد حلول سريعة وعملية لأي تهديد أمني قد تواجهه أي امرأة.
ويقول أبو عقل أن الأمر لا يتعلق فقط بحمل السلاح, بل أيضا بالقدرة على الوقوف بوجه الخوف والتحديات التي تعتبر الطريق أو الباب لتعلم كيفية حماية النفس ومن ثم استخدام السلاح, وهذا ما يضع النساء أمام التحدي الكبير الذي يتلخص بكيفية إيجاد توازن بين الأمن الشخصي والسلامة والعامة, وهذا ما تؤكّد عليه مريم, وهي أُم لطفلين, إذ أشارت إلى أن تردي الأوضاع الأمنية وارتفاع حالات الخطف والعنف دفع بها إلى اقتناء سلاح صغير مرخّص تدرّبَت على استخدامه في حالات الطوارئ.
وتؤكّد مريم لـ"لبنان24" أنّه منذ أن بدأت بتعلم أُسس الدفاع عن النفس واستخدام السلاح تعزّزت ثقتها بنفسها والشعور بالتمكين, إذ أشارت إلى أن ازدياد أعداد النساء اللواتي يخترن هذا الطريق يؤكّد أنهن يسعين إلى إرسال رسالة قوية مفادها أنهن قادرات على الدفاع عن أنفسهن.
ماذا تحمل نساء لبنان؟
يقسّم أحد الخبراء الأمنيين الأسلحة التي تحملها النساء في لبنان إلى 4 أنواع.
في مقدمة هذه الأسلحة تأتي "المسدسات الخفيفة", والتي اعتبرها خبير أمني خلال حديث عبر "لبنان24" بأنّها من أكثر الأسلحة شيوعًا بين الأسلحة الصغيرة التي تستخدم للاستعمال الشخصي. وتقسم هذه الأسحلة إلى نوعين.
النوع الأول هي "مسدسات نصف أوتوماتيكية" مثل مسدس "Glock19"
و "SigSauer P365", وحسب الخبير, فإن هذين السلاحين يتميزان بقدرتهما على إطلاق عدة طلقات بشكل سريع. أما النوع الثاني فهي "مسدسات الريفولفر" مثل "Ruger LCR" و "Smith & Wesson model 642". وتُعرف هذه الاسلحة ببساطة استخدامها.
في السياق, يوضح الخبير الأمني أنّه منذ بدء الحرب السورية ارتفعت وتيرة إدخال هذه المسدسات إلى لبنان عن طريق المعابر غير الشرعية, وهذا ما سمح بانتشارها داخل السوق.
ومن المسدسات إلى البنادق الصغيرة (طلقات نارية خفيفة), فقد تؤمن العديد من مراكز التدريب حصصا تدريبية لاستخدام هذه البنادق, التي توفّر دقة أكبر في التصويب مقارنة بالمسدسات, حسب الخبير الأمني.
وتنقسم هذه البنادق إلى قسمين: بنادق الرماية الرياضية مثل "Ruger 10/22", وبنادق الضخ الخفيف أو ما يعرف بالـ"shotguns", مثل "Mossberg500", وتٌستعمل هذه البنادق للدفاع عن النفس وغالبا ما نجدها داخل المنازل.
وبعيدًا عن الأسلحة الحربية, فقد لفت الخبير الأمني لـ"لبنان24" إلى أن هناك أسلحة من نوع آخر تستخدمها النساء في لبنان ودول العالم منذ فترة طويلة للدفاع عن النفس مثل أسلحة الصدمات الكهربائية (Tasers), التي تعتبر بديلا غير قاتل, حيث تشلُّ حركة المهاجم مؤقتا. ومن أفضل الانواع المستخدمة هناك "TASER Pulse"وهو جهاز صغير سهل الاستخدام, يطلق نبضات كهربائية تسبب شللا مؤقتا, بالاضافة إلى "TASER X26" الذي يستخدمه الكثير من أفراد الأمن الشخصي.
أما النوع الرابع والذي يعتبر أيضا من الخيارات الشائعة فهو رذاذ الفلفل, الذي هو غير قاتل وسهل الحمل والاستخدام, إذ يُستعمل لوقف المعتدي بشكلٍ فوريّ من خلال إحداثِ تهيج شديد في العينين والجهاز التنفسي.
ويقسم هذا النوع من الأسلحة إلى نوعين: "Sabre Red Pepper Spray" الذي يعد من بين الأنواع الأكثر موثوقية, بالاضافة إلى Fox Labs Mean" Green"الذي يقدم تركيبة قوية مع إمكانية تحديد المهاجم من خلال اللون الأخضر الفاتح الذي يتركه على وجهه.
تحذيرات
ورغم انتشار هذه الظاهرة إلا أنّها لا تخلو من التحديات, فاقتناء الأسلحة لا يمكن أن يتحقق بهذه السهولة إذ يحتاج لترخيص قانوني من الجهات المعنية, وقد تواجه النساء صعوبة في الحصول عليه. إضافة إلى ذلك, هناك عوائق ثقافية واجتماعية قد تعترض طريقهن, حيث لا يزال البعض يعتبر أن تسلّح النساء وتدريبهن على الفنون القتالية هو بمثابة خروج عن التقاليد والأعراف.
ويؤكّد الخبراء أنّه في حال التجأت النساء إلى استخدام الأسلحة أو فكّرت في اقتنائها يتوجب أن تتبع هذه الخطوات:
- التدريب المستمر
- الاطلاع على القوانين بشكل واف
- التخزين الآمن
- الالتجاء إلى الخيارات غير القاتلة في حالات الطوارئ