كتبت أماني النجار في الأنباء:
بعد "السرفيس" و"الفان", حلّ زمن "التوك توك", إذ اقتحم شوارعَ لبنان سالكًا طريق الأزمة الاقتصاديّة التي تعصف بالبلد, هذا المشهد لم يكن مألوفًا حتّى الأمس القريب, إلّا أنّ الظروف الاقتصاديّة فرضته بقوّة, فتحوّل إلى خط دفاع معيشي ومصدر رزق في زمن الغلاء, وحاجة حيوية للعاطلين عن العمل, يعينهم على تحصيل لقمة العيش الصّعبة التي تهرب فيلاحقونها على عجلات "التوك توك" الثّلاث.
فإنّ الجوع الذي طَرق الأبواب وتَرافق مع غلاء البنزين, دفع اللّبناني للبحث عمّا يسدّ به رمقه, الأمر الذي فتح الباب أمام أشكالٍ جديدة من عربات النّقل العام, فولّدت أفكارًا تُصارع الزّمن الرديء, وتحدث الفجوة في جدار اليأس والفقر, فكيفما التفتّ في شوارع لبنان, لا بدّ أن تصادف عربة "توك توك" أمامك.
"التوك توك" من حيث كونها وسيلة نقل سيف ذو حدّين: إيجابياتها قليلة, ومخاطرها لا تعدّ ولا تحصى.
وفي حديثٍ خاصّ للأنباء مع رئيس نقابة سائقي التاكسي في البقاع محمد فرحات قال: "إنّ التوك توك عبارة عن دراجة نارية بثلاث عجلات ليست شرعية ولا تخضع للتأمين الإلزامي, كما انَّها تُستخدم على الطرقات العامّة والأوتوسترادات على خلاف ما يُتيح لها وزنها وسرعتها, ما يشكّل خطرًا على المُواطنين الذين يستقلونها, فقد حاولنا استصدار قانون يمنع تسجيلها في إدارة السّير, إلّا أنها لا زالت تسجَّل كدراجة نارية بشكل مخالف للقانون, علاوة على عدم قانونيتها وعدم خضوعها لقانون التأمين الإلزامي, فإنّ معظم سائقي هذه الوسيلة لا يمتلكون إجازة سوقٍ عمومية تُجيز لهم العمل في النّقل العام".
وأضاف: "إنني أمنع سائقي "التوك توك" من تسجيل دراجاتهم, ولقد عقدنا مؤتمراً في غرفة التجارة في زحلة مع الدّكتور في الجامعة الأميريدكية زياد عقل وحضر المؤتمر مطارنة وأشخاص لهم علاقة بالقطاع وجمعيات وتحدّثنا عن أمان السّير وعن أضرار التوك توك وأضرار الشاحنات, كما تلقينا مؤازرة من القوى الأمنية حيث قامت باحتجاز البعض منها وتبيّن لاحقًا أن سائقيها عناصر أمن وجيش سُمح لهم بالعمل نتيجة انخفاض قيمة العملة الوطنية".
وتابع قائلًا: "قُمنا بتظاهرة عند مدخل زحلة في السّابق, وتمكنّا من منعهم دخول المدينة من دوار زحلة حتّى مستشفى خوري العام, بمساعدة العميد عبد المسيح ورئيس بلدية زحلة أسعد زغيب, لكن المشكلة أن البلدية لا تملك الحق بإصدار محاضر مخالفات بل تقوم بتحرير المحاضر عبر الاستعانة بالقوى الأمنية في حال مرور أي سائق توك توك في المدينة, ومعظم الأحيان يحرج عناصرها كون السائق من زملائهم, والآن نحن بصدد أن نجتمع هذا الأسبوع مع محافظ البقاع القاضي كمال أبو جودة لحل هذا الموضوع".
أصبح العدد الأكبر يستقلون هذه الوسيلة للتّنقل, إذ يعتبرونها أرخص وأسرع, ما دفع أصحاب سائقو سيارات الأجرة إلى إطلاق صرختهم.
في هذا الإطار, سألت "الأنباء" السّيد حليم سعيد (سائق تاكسي) وقال: "وسيلة التوك توك أثّرت علينا بنسبة 90?, في السّابق كنت وبشكلٍ شبه يومي أتلقى اتّصالًا أو أكثر من بلدتنا ومحيطها لأخذ تاكسي إلى زحلة أو إلى بيروت أو إلى أي مكان آخر, وبعد انتشار التوك توك يمرّ أسبوع وأحيانًا أسبوعين ولا أحصل خلالها على طلب تاكسي, فالسّيارات العمومية توقّف عملها بشكلٍ شبه تام, رغم أنّ أجرة الراكب في التوك توك تساوي أجرته في سيارة الأجرة وحتّى أكثر".
في معظم مناطق لبنان وفي البقاع على وجه الخصوص, قد لاقى هذا النّوع من وسائل النّقل رواجًا بسبب صغر حجمها وكلفة تشغيلها المنخفضة, ما يتيح لها المرور في الطُّرق الضّيقة, والهروب من ازدحام السّير, كما يؤمّن لمالكها هامشًا أكبر للربح وكلفة أقل على المُواطن مقارنة بغيرها من وسائل النّقل.
في هذا الصدّد, تحدّثت الأنباء مع السّيد عاصم الميس (سائق توك توك) وقال: "إنّ أجرة الراكب في التوك توك 100 ألف ليرة لبنانيّة وهي تساوي أجرته في باصات النّقل العام, لذلك باتت النّاس تعتمده في تنقلاتها القريبة والمتوسطة المسافة, وأنا شخصيًّا أعمل بشكل قانوني لجهة تسجيل التوك توك وبحوزتي دفتر سوق عمومي".
وحول خطورة التّعرض لحادث قال: "كما في السّيارات الأُخرى تعود للسّائق ومدى التزامه بقانون السّير والسّرعة المسموح بها".
بات "التوك توك" مصدرًا للتّوفير في التّنقل ولكن على الرغم من نجاح عمله, يبقى خطرًا على سلامة السّائق والراكب, على أمل انتظار مشاريع سكك الحديد والمترو باصات التي ترمى من وزير إلى وزير ولا تزال حبرًا على ورق, ليبقى السّؤال الذي يطرح نفسه هُنا, هل يُعتبر هذا الانتشار الواسع للتوك توك دليل الفقر الذي يصيب الدول النامية؟ أَم أنه حل جزئي في سياق العشوائيّة التي اعتدنا عليها؟