أهالي الطلاب متروكون لتعسف وبطش المدارس الخاصة, بلا أي حماية, لا من وزارة التربية ولا القضاء. والأساتذة بلا حقوق, وتستخدم المدارس قضية تحسين رواتبهم "شماعة" لزيادة الأقساط على الأهالي أكثر وأكثر.
هكذا استغلت غالبية المدارس عطلة الأعياد لتبليغ الأهالي عزمها على زيادة الأقساط, بذريعة أنها تنوي تحسين رواتب وأجور الأساتذة والعاملين. وتصدرت المدارس الكاثوليكية القائمة, حيث تراوحت الزيادات عن العام المنصرم بين 70 و120 بالمئة. وهذا سيناريو مكرر مثل السنتين السابقتين. فقد رفعت المدارس أقساطها بنسبة تخطت الأربعمئة بالمئة العام المنصرم, فيما لم تدفع للأساتذة إلا نسبة وصلت في أفضل الأحوال إلى أربعين بالمئة بالدولار النقدي. وحالياً, الأساتذة موعودون بزيادة تصل في أفضل الأحوال إلى ستين بالمئة من الراتب بالدولار. وفيما ينفذ أساتذة الليسيه الكبرى الفرنسية إضراباً يوم الجمعة المقبل, ومقاطعة الدورات التربوية للاستعداد للعام الدراسي 2024-2025, يوم الخميس في 27 حزيران, لم تصدر أي مواقف عن الأساتذة في باقي المدارس اللبنانية. أما لجان الأهل فمغلوب على أمرها, أو معيّنة من إدارات المدارس, ولا تدافع عن حقوق الأهل.
سبق ووجّه وزير التربية عباس الحلبي كتاباً إلى المدارس الخاصة غير المجانية, منذ نحو عشرة أيام, يتعلق بالزيادة على الأقساط المدرسية, داعياً إلى الالتزام بالقوانين المرعية الإجراء. لكن المدارس واصلت تبليغ الأهالي بالأقساط الجديدة, من دون أن يرف لها جفن. وقد ذكر الحلبي المدارس بأنها لا تستطيع زيادة الأقساط قبل إعداد الموازنة المدرسية وتوقيعها من لجنة الأهل, ومراجعتها من مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية. لكن المدارس تعاملت مع كتاب الوزير كأنه مكتوب على لوح من ثلج. ورغم أن الحلبي أمهل المدارس خمسة أيام لتسليم مصلحة التعليم الخاص كتابٍ مفصلٍ عن موقفها من الشائعات الإعلامية حول الأقساط, والتصريح عن المبالغ التي دفعتها المدارس فعلاً, أو ستدفعها كرواتب وأجور لأفراد الهيئة التعليمية, مضت المدارس ببطشها. حتى أن قلة قليلة من المدارس لم تبلغ الأهالي بالزيادات على الأقساط, فيما غالبية المدارس قررت عشوائياً رفع الأقساط بطريقة فاحشة. وطالما أن وزارة التربية لم تتحرك ولم تصدر أي قرار بحق أي مدرسة, فهي حكماً إما متآمرة مع المدارس على جميع الأهالي, أو عاجزة لأن المدارس أقوى من الدولة.
منسق لجان الأهل في اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة, قحطان ماضي, لفت إلى أن أهالي الطلاب متروكون للقدر ولرحمة الله. فهم بلا حماية أو سند, لا من وزارة التربية ولا من القضاء اللبناني في ظل عدم تشكيل المجالس التحكيمية للفصل بالنزعات بين الأهل وإدارات المدارس. ولا لجان الأهل التي تكلفها إدارات المدارس تدافع عن حقوقهم. أضف إلى ذلك أن الحكومة اللبنانية ساهمت في إطلاق يد المدارس الخاصة طالما أن تعاونية موظفي الدولة وباقي الجهات الضامنة في القطاع العام رفعت المنح المدرسية للموظفين بما يزيد عن المعدل الوسطي للأقساط في مدارس الدرجة الثانية. وبالتالي أعطت المدراس ذريعة للبطش بالأهالي برفع الأقساط, كما لو أن كل اللبنانيين موظفين في القطاع العام. فيما غالبية اللبنانيين موظفين في القطاع الخاص, حيث الحد الأدنى للأجور يصل إلى مئتي دولار, وحيث المساعدات المدرسية تقل عن ربع القسط في أرخص المدارس.
ويشرح ماضي, أن ذريعة المدارس زيادة الأقساط هي تحسين رواتب وأجور المعلمين. لكن نسبة زيادة الأقساط وصلت في بعض المدارس إلى أكثر من مئة بالمئة, فيما الزيادة التي قد يحصل عليها الأساتذة, في أفضل الأحوال, لن تتخطى العشرين بالمئة عن العام الفائت. فقد سبق ودفعت غالبية المدارس نسبة وصلت إلى أربعين بالمئة بالدولار للأساتذة العام الفائت, بعدما رفعت الأقساط بنسب خيالية. والأساتذة موعودون بأن تصل نسبة الدولار بالراتب إلى ستين بالمئة. ما يعني أن النسبة الإضافية التي ستدفعها المدرسة تقتصر على 20 بالمئة. وبما أن كلفة المصاريف التشغيلية لن تتغير عن العام الفائت (ثبات سعر صرف الدولار منذ نحو عام) فهذا يعني أن المدارس تسرق من الأهالي نسبة 80 بالمئة, من الزيادة الحالية على القسط, بذريعة رفع نسبة الدولار لرواتب المعلمين.
المفارقة الحالية في الزيادات التي فرضتها غالبية المدارس ولا سيما الكبرى منها, أنها تتزامن مع إحجام أو تردد مدارس الأطراف عن تبليغ الأهالي بالزيادات على أقساطها. فصحيح أن الأخيرة سترفع الأقساط بطريقة مخالفة للقوانين المرعية الإجراء, إلا أن ما أصطلح على تسميته مدارس الدكاكين (مدارس تجارية بحت) تبدو أكثر رحمة ورأفة بأهالي الطلاب, كما يؤكد ماضي. فما أشيع بين الأهل في مدارس الأطراف يؤشر إلى أن الزيادات ستقتصر على نحو ثلاثين بالمئة. ما يعني أن المدارس التي تعتبر نفسها مرموقة هي أكثر تجاريةً من مدارس الدكاكين, لأن ما تقوم به سرقة موصوفة لأموال الأهالي, متسترة بذريعة رفع نسبة الدولار برواتب المعلمين.
(المدن)