شكّل القانون الدولي للمياه واتفاقيات المياه محورين أساسيين في مناقشات الورشة التدريبية التي نظمها "مركز دبلوماسية المياه" التابع لجامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية, على مدى خمسة أيام في حرم الجامعة في مدينة إربد, شمال العاصمة عمّان. وكانت للبنان مشاركة فاعلة في المحادثات والمفاوضات بشأن المياه العابرة للحدود.
تأتي الدورة المكثفة التي تخلّلتها جولة ميدانية, من منطلق حرص "مركز دبلوماسية المياه" على تعزيز الوعي بشأن هذا المورد الحيوي والتركيز على الاتفاقيات والقوانين الدولية المبرمة بهذا الشأن, لا سيما تلك المتعلقة بإدارة المياه المتشاطئة بين دول منطقة الشرق الأوسط, وكفاءة استخدام المياه بما يضمن عدالة توزيع الحصص المائية المرتبطة بكل بلد ويرسّخ أهمية المياه كأداة للسلام والاستقرار. وتعتبر هذه الدورة التدريبية جزءًا من نشاطات "مشروع السلام الأزرق في الشرق الأوسط لتطوير القدرات", الموطّن في مركز دبلوماسية المياه في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية والمدعوم من قبل الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون SDC.
وقد انعقدت الورشة التدريبية بالشراكة مع معهد "IHE Delft" لدراسات المياه في هولندا والاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) ومبادرة السلام الأزرق في الشرق الأوسط, وذلك بتمويل من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (SDC). وشملت الورشة مشاركة خبراء ومهندسين وفنيين وقانونيين وفعاليات من الدول المشاركة في مبادرة السلام الأزرق وهي الأردن, تركيا, العراق, إيران, سوريا ولبنان, من ممثلي وزارات المياه والري والبيئة والشؤون الخارجية والعلاقات الدولية, وعدد من الهيئات العاملة في مجال حماية مصادر المياه, إلى جانب الشباب المشاركين في برنامج الزمالة الشبابي مع مبادرة السلام الأزرق في الشرق الاوسط.
وفي حديثه, شدّد مدير مركز دبلوماسية المياه رئيس جامعة إربد الأهلية الأستاذ الدكتور ماجد أبو زريق على أن "مركز دبلوماسية المياه تم إنشاؤه في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية عام 2020, بهدف إنشاء مركز إقليمي للعمل في مجال دبلوماسية المياه, واستخدام المياه كواسطة للتعاون وليس والنزاعات. فالمياه مورد مهم جدًّا, خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من نقص شديد, نتيجة التزايد السكاني والتغير المناخي. وقال: إن "مركز دبلوماسية المياه يخدم المنطقة ككل وليس الأردن فحسب, وهو الأول من نوعه في منطقتنا. ونسعى لأن يكون مركزًا إقليميًّا يؤدي خدمات في التدريب والأبحاث حول دبلوماسية المياه. وهو يستضيف خبراء وأنشطة مشتركة مع دول المنطقة, من تركيا وإيران وسوريا ولبنان والعراق والأردن. ونعمل على إعداد أبحاث مشتركة تعالج مشاكل المياه الحدودية. ونحضّر لمشروع بحثي مع سوريا وآخر مع العراق, بالإضافة إلى مشروع بين العراق وإيران, بهدف خلق مساحة للباحثين من الدول المختلفة لتبادل الخبرات وتقارب وجهات النظر وإنجاز أبحاث مشتركة, بحيث يصبحون سفراء دولهم في اتخاذ القرارات المتعلقة بالمياه".
ولفت أبو زريق إلى أن هذه الدورة هي "الدورة التدريبية الثانية من أصل ثماني دورات, حيث تمحورت الأولى حول النزاعات والتعاون حول المياه. وستركز الدورات المقبلة على العديد من القضايا, بينها؛ حوكمة المياه, النزاعات حول المياه والتفاوض, دبلوماسية التغير المناخي وغيرها من المواضيع الحيوية". وأضاف: "على الرغم من عدم احترام بعض الدول لاتفاقيات القانون الدولي للمياه, تبقى مبادئ هذا القانون تحكم الجميع, وبالتالي سيخضع الجميع للمنطق, لأنه ما من أحد يريد تأجيج الاختلاف, إنما الوصول إلى نقطة تعاون, بحيث تعمّ الفائدة على الجميع ونتقاسم المصالح".
واستعرضت الأستاذة المشاركة في قانون المياه والدبلوماسية في معهد "IHE Delft", سوزان شمير, نماذج في التعاون المائي حول العالم, وقالت: "نجحت تلك الدول في توحيد جهودها, ما ساهم ليس فقط في حل النزاعات بشأن المياه بطريقة سلمية تخدم كل فرد, وإنما في استخدام المياه لبناء السلام, خصوصًا أنهم كانوا يتنازعون حول قضايا أخرى". ورأت في الدورة التدريبية "فرصة لشعوب المنطقة للاطلاع على الأفكار الخلاقة والمبادرات الممكنة لإرساء السلام وحفظ الموارد المائية وضمان حصة كل بلد. فقد تمكنت مناطق أخرى حول العالم من إنهاء الحرب والتعاون كما حدث في جنوب شرق آسيا, بين الصين وفيتنام. إذ وبعد حرب أهلية أودت بحياة الملايين, استطاعت الدولتان وقف القتال والتعاون. وأعتقد أن شعوب منطقة الشرق الأوسط قادرون على تخطّي الحروب والنزاعات".
من جانبه, فقد ركّز المستشار القانوني لدى "IUCN" دييغو جارا, على "أهمية التعمّق بالقوانين الدولية للمياه, من أجل مواجهة التحديات العالمية المستقبلية الناجمة عن التغير المناخي والجفاف والفيضانات, وما قد تختبره الدول من ندرة في المياه. فالطريقة الوحيدة للحفاظ على مستوى تدفق الأنهار والمصادر المائية تكمن بالتعاون وتوقيع الاتفاقيات وخلق مؤسسات قادرة على تنظيم وإدارة الموارد المائية العذبة, خصوصًا أن منطقة الشرق الأوسط تعاني من احتمال تناقص المياه, ما ينعكس سلبًا على المجتمعات والتنوع البيولوجي والطاقة الكهرومائية". وأعرب عن أمله في"استخدام المياه كأداة لتقارب الشعوب والدول والحكومات في المنطقة وتعزيز عملية التفاوض ومناقشة أفضل البدائل, لا سيما أن تناقص الموارد الطبيعية يحتّم الحاجة للتعاون في إدارة التنوع البيولوجي. وهكذا فعلت مناطق عدة في أفريقيا وأميركا الجنوبية وجنوب شرق آسيا وأوروبا, بحيث شكّلت المياه بعد الحروب والنزاعات, أداة للتعاون والسلام".
وكشفت مديرة المكتب التنسيقي لمبادرة السلام الأزرق في الشرق الأوسط أسيل المخيمر, أن "المكتب التنسيقي لمبادرة السلام الأزرق في الشرق الأوسط تستضيفه "الشبكة الإسلامية لتنمية وإدارة مصادر المياه (INWRDAM)" خلال المرحلة الجديدة للمبادرة, والتي تمّ إطلاقها عام 2023 حيث وسّعت نطاق أنشطتها إلى ما هو أبعد من التركيز المحدود على المياه, لتشمل تبنّي رؤية شاملة لنقطة التقاطع بين المياه والطاقة والغذاء والنظم البيئية, وإدراج كل أنشطتها تحت مظلة برنامج الترابط بين المياه والطاقة والغذاء والنظم البيئية. كما عملنا على توسيع قاعدة مجتمع مبادرة السلام الأزرق في الشرق الأوسط من خلال التركيز على إشراك ودمج الشباب في المبادرة, حيث أطلقنا برنامج الزمالة الشبابي كأول برنامج من نوعه في منطقة الشرق الأوسط, وهو برنامج يستهدف الدول الست جغرافيًّا لمبادرة السلام الأزرق". وتابعت: "هدفنا تمكين الشباب ورفع درجة الوعي لديهم بشأن مواضيع مهمة وأساسية مرتبطة بطبيعة عملنا, منها القانون الدولي للمياه والاتفاقيات الموجودة وأهمية التعاون المائي, وكذلك الإلمام بمفهوم ترابط المياه والطاقة والغذاء والنظم البيئية (WEFE Nexus). ومع نهاية البرنامج سيقع على عاتق الشباب الستة االمشاركين في البرنامج, تطوير مقترح مشروعٍ حول المياه العابرة للحدود من منظور الـ"WEFE". وسنكون مسؤولين عن إجراء كل ما يلزم ليتمّ تبنّي المشروع وتطبيقه على أرض الواقع, ولا تنتهي علاقة الشباب مع المبادرة بانتهاء البرنامج, بل على العكس من ذلك, فهذه المجموعة هي نواة برنامج سفراء المبادرة من الشباب الذين يؤمنون برؤيتها وسيكونون جزءًا فعّالًا من المبادرة خلال المرحلة الحالية والسنوات المقبلة. ولفتت المخيمر إلى أنّ "مركز دبلوماسية المياه هو الذراع الأكاديمي والبحثي للمبادرة, وتربطنا به مجالات تعاون عديدة".
وتحدّث الشاب الأردني المشارك في برنامج الزمالة الشبابية مع مبادرة السلام الأزرق, أسامة فريحات, عن "ضرورة إيلاء الأهمية لمفهوم الـ"WEFE", والتعمّق بالحاجات الماسّة لشعوب منطقتنا, علمًا أنّ الأردن تُعتبر ثاني أفقر دولة حول العالم بالمياه. وقد لمسنا على مدار السنوات, أنّ الحلول العسكرية لم تؤدّ إلى حل واقعي مشترك. لذلك تؤمن مبادرة السلام الأزرق بأنّ الحل يكمن بالحوار وضمان الفوائد والحصص المشتركة, بغض النظر عن الخلافات".
وأشارت الشابة اللبنانية المشاركة في البرنامج, سمر كريدي, إلى أنّ "الدورة تساهم في تعزيز مهارات التفاوض وتخطّي التحديات وإدراك سلوك ممثلي الدول المشاركة ومدى قدرتهم على التواصل والحوار والانفتاح على تجارب الآخرين والاستفادة من خبرات بعضنا البعض ومن نقاط القوة والضعف, للوصول إلى حلول مشتركة. فنتعلّم كيف نفاوض للحفاظ على أكبر حصة ممكنة, وبنفس الوقت كيفية التحلي بإرادة التضحية في سبيل الصالح العام". واعتبرت أن "التعاون سيؤدي إلى فوائد ومخرجات أفضل بمئات المرات من انعدام التفاوض أو التمسك بمبدأ عدم التنازل, خصوصًا مع بروز أهمية ترابط المياه والطاقة والغذاء والنظم البيئية, ودورها في الوصول لحلول مستدامة للجميع".
وأعرب عدد من المشاركين عن أهمية الورشة, من حيث أنها "تطوّر مهاراتنا في معرفة القانون الدولي وطرق التفاوض وإبرام الاتفاقيات, إلى جانب الإلمام بمفهوم المياه العابرة للحدود, لا سيما أنّ دول المنطقة متشاطئة في أكثر من حوض". ولفتوا إلى أنّ "الدبلوماسية تُعدّ أفضل سبيل لإيجاد الحلول فيما يتعلق بمشاكل المياه, خصوصًا مع ترابط المياه بشتى النظم البيئية, وسط الجهود المتواصلة للتخفيف من آثار التغير المناخي. فقد شكلت الورشة فرصة لتقارب وجهات النظر وتبادل المعلومات وتوحيد الجهود, ما يعزّز ركائز السلام ويعود بالنفع على دولنا ومياهنا المشتركة".