مع أنّ خيار مؤسسة كهرباء لبنان في تحصيل فواتيرها من مخيمات النازحين السوريين رسا على إعتماد محاضر مفتوحة لكمية الطاقة المستهلكة بناء لقراءة العدادات الإلكترونية, تلاحظ أوساط بلدية أنّ هذه الخطة لا تزال تسير بخطوات بطيئة جداً, وتبرز عراقيلها خصوصاً داخل المجتمعات نفسها, التي يشكل تعدي قاطني المخيمات التي تستضيفها على الشبكة, جزءاً من تعديات شاملة, يسهّلها أصحاب الأراضي والعقارات المؤجرة لإقامة المخيمات أنفسهم.
وعليه تبدو مهمة دخول مؤسسة كهرباء لبنان إلى كل المخيمات التي نشأت بشكل غير شرعي, لتطالب بقوننة واقعها بالنسبة للتغذية الرسمية, مهمة شاقة جداً, وخصوصاً بعد أكثر من 12 سنة من الوجود السوري غير المنظم في لبنان. فمع أنّ قاطني هذه المخيمات لم يتخلفوا يوماً عن تسديد رسوم الإشتراك للمولدات الخاصة, فإنّ إستفادتهم, ولو المحدودة, من تغذية الشبكة العامة, لم تتطلب منهم الخضوع لأي إجراءات رسمية سابقاً. وكانت العملية تدار على مسؤولية صاحب الأرض أو الشاويش, وفي أغلب الأحيان بطرق غير شرعية. وهذا ما يجعل المؤسسة تواجه تعقيدات كثيرة في الملف, خصوصاً أنّ لكل مخيّم مشاكله الخاصة من حيث موقعه, وعدد الخيم فيه, وطريقة استجراره للطاقة, وملكية الأراضي التي يقوم عليها, وما اذا كانت خاصة أم عامة أو تابعة لبلديات. شكّل ما ذكر عنصر فوضى أضيف إلى تراكمات ملف النازحين الذي لم تحسن السلطة الرسمية الإمساك به منذ البداية. وبالتالي كان من الطبيعي أن تواجه الخطوات الإصلاحية التي قررتها مؤسسة كهرباء لبنان بالنسبة لفرض الرسوم مقابل تغذية المخيمات بالطاقة, عراقيل عديدة. وقد إنفجرت بعض الإعتراضات بوجهها من أصحاب الأراضي المؤجرة للمخيمات. في وقت تعاني المجتمعات من إزدواجية الموقف الذي يرحب من جهة بتركيب العدادات لتدفيع النازحين ثمن إستهلاكهم للطاقة, ولكن يبدو ممانعاً بشدة لإزالة تعديات أهل البلد على هذه الشبكة.
ومع ذلك تؤكد مصادر مؤسسة كهرباء لبنان أنه "يتم تسطير محاضر مخالفة بالمخيمات التي تتخلف عن الدفع, ويتم قطع الكهرباء عنها". إلا أن ذلك لا يشمل حتى الآن سوى 900 مخيم أصبحت خاضعة لمترتبات تركيب العدادات, بإنتظار إستكمال الحملة في عدد آخر من المخيمات.
نظام الفوترة
إنطلاقاً من هنا يمكن الحديث عن مخيمات دخلت في نظام فوترة إستهلاكها للكهرباء التي تتأمن عبر مؤسسة كهرباء لبنان, ومخيمات لا زالت معفية منه. وهذا ينطبق على واقع النازحين في معظم القرى والبلدات التي إستضافتهم, إلا في منطقة زحلة, ونطاق شركة كهربائها, التي تؤكد أوساطها أنّ النازحين السوريين لم يحصلوا على أي كمية كهرباء "غير شرعية" منذ استقروا فيها, مع جباية تبلغ نسبتها مئة بالمئة في مخيماتهم.
172 مخيماً في زحلة ونطاق شركتها إذاً يسدد قاطنوها بدل إستهلاكهم للطاقة شهرياً وبشكل منتظم. وبالتالي عندما يتم الحديث على المستوى الرسمي عن إستفادة النازحين السوريين من فوضى قطاع الكهرباء ليزيدوا من كمية الهدر على الشبكة العامة, فإنّ ذلك بالتأكيد لا يشمل النازحين المقيمين في زحلة ونطاق شركة كهربائها. فالجباية من المخيمات القائمة بهذا النطاق منظمة, ويمكن الوصول بكل سهولة إلى المعلومات حولها, سواء عن كمية إستهلاك المخيمات البالغة أقل من 2 ميغاواط, ونسبتها من مجمل كمية التغذية التي تصل إلى حوالى أربعة بالمئة. أو بالنسبة لطرق الجباية وحتى نوع العداد المستخدم, علماً أن القاطنين في نطاق الشركة يقننون من إستخدام الكهرباء كونهم يدفعون ثمنها, خلافاً لما هو حاصل في مناطق أخرى تتوفر فيها التغذية بالتعدي على الشبكة. يشرح المهندس ناجي جريصاتي من شركة كهرباء زحلة أنّ المسألة بسيطة متى توفرت الإرادة والإدارة الجيدة. فالنازحون السوريون موجودون في أراض ضمن نطاق كهرباء زحلة, وهذه الأراضي ليست مشاعات, إنما هي ملك أشخاص, وهؤلاء المالكون يستفيدون من تأجيرها. ولذلك علاقة الشركة كعقد ومسؤولية وجباية فواتير هي مع صاحب الأرض, وعداداتها مركبة على عواميد خارج المخيمات في صناديق خاصة, أي أن الشركة لا توزع الكهرباء داخل المخيم, إنما تؤمن له كمية الطاقة التي يحتاجها ككيان واحد, ويجري توزيعها من قبل صاحب الأرض أو الشاويش وفقاً لحاجة كل خيمة, بإعتماد نظام "المحوّل". وهذا ما يجنب جباة الشركة الدخول إلى هذه المخيمات وبالتالي مواجهة سكانها في حال إمتنعوا عن تسديد الفواتير. أما إذا امتنع صاحب الأرض أو الشاويش عن تسديد الفاتورة تقطع الشركة مباشرة الكهرباء عن المخيم, فيكون عليهما حل هذه المسألة مباشرة مع قاطني المخيم.
هكذا يختصر جريصاتي العملية منذ اليوم الأول لنزوح السوريين وإقامتهم في نطاق شركة كهرباء زحلة, ما جعل قاطني هذا النطاق متساوين مع سكان بلداته الـ16 التي تؤكد الشركة أنّ نسبة الجباية منها هي مئة بالمئة, وتعيد الأمر إلى إنتظام عمل الشركة, التي لديها نظام تتبع للسرقات على الشبكة, وبالتالي هي قادرة على تحديد الهدر ومكمنه, وعلى تعقب أي مخالفة لمنع التعديات على شبكتها. في كل هذه العملية ليس هناك أي علاقة مباشرة أو غير مباشرة بين شركة كهرباء زحلة ومفوضية الامم المتحدة للاجئين, وبالتالي لا تعتبر الشركة نفسها معنية بدور المفوضية في توفير كلفة الكهرباء بالمخيمات.
هذا النموذج الذي تقدمه شركة كهرباء زحلة في إدارتها لملف تأمين الحقوق بالكهرباء للنازحين وإلزامهم بالواجبات, قد يصلح أيضاً لتعميمه على مستوى مؤسسة كهرباء لبنان, علماً أنّ المعنيين في المؤسسة تواصلوا مع الشركة مرّات عدة للإطلاع على خبرتها في هذا الإطار, إلا أنه يبدو أنّ المنطلق الأهم في تطبيق خطتها الإصلاحية يبقى في الإرادة السياسية الداعمة لإزالة التعديات بكافة أشكالها وأيا كانت هويتها الوطنية أو حتى الطائفية.
)كتبت لوسي برسخيان في نداء الوطن)