مضى أكثر من أسبوعين على صدور التعميم 166 الذي يحدّد الإجراءات الاستثنائية لتسديد شهري بقيمة 150 دولاراً نقداً للودائع بالعملة الأجنبية المكوّنة بعد 31/10/2019. ورغم أن الحاكم بالإنابة وسيم منصوري خفّف عن المصارف كلفة تطبيق التعميم وحمّلها لمصرف لبنان بشكل مباشر وغير مباشر, إلا أنّ أياً منها لم يباشر بعد باستقبال طلبات المودعين في انتظار تحديد آلية التطبيق وأبواب الاستنساب المفتوحة في التعميم لتصنيف الزبائن بين مؤهّلين للاستفادة وغير مؤهّلين.تقول مصادر مصرفية, إن في سياق تطبيق التعميم 166, ينفّذ منصوري أحدث نسخة من "الهندسات المالية" القائمة على الآتي: بما أن كلفة تطبيق التعميم ستُموّل مناصفة بين مصرف لبنان والمصارف, فإنه مقابل كل دولار نقدي تدفعه المصارف في سياق التطبيق, ستحصل من مصرف لبنان على دولارات نقدية بقيمة موازية.
هذا هو الشكل الأبسط لتفسير هذه الهندسة المالية, أما في تفاصيلها, فهي قائمة على الآتي: المصارف أودعت لدى مصرف لبنان أموالاً بالعملات الأجنبية, والأخير كان يدفع لها فوائد موزّعة بنسبة 50% بالدولار المصرفي (لولار), وبنسبة 50% بالليرة على سعر 15 ألف ليرة مقابل الدولار. لكن مع صدور التعميم, قرّر منصوري إلغاء التسديد بالليرة, وأن يحوّل للمصارف قيمة الفوائد المدفوعة بالدولارات المصرفية (اللولارات), إلى دولارات نقدية بمقدار حصّتها أو ما يترتّب عليها في سياق تطبيق التعميم 166.
هكذا وافقت المصارف بسهولة على تطبيق التعميم الذي يضلّل المودعين باعتباره تسديداً تدريجياً للودائع بالعملات الأجنبية المكوّنة في الحسابات المفتوحة بعد 31/10/2019. لا أحد يعلم فعلياً إذا كان معيار تحديد هذا التاريخ له أصل علمي, أم شعبوي, لكنّ الوقائع تشير إلى أن شروط انطباق هذا التعميم ستكون ضيّقة نسبياً وفيها بنود استنسابية, أي إن تحديد انطباق بعض البنود يعود إلى تقدير المصارف. كل ذلك يحصل مقابل مبلغ زهيد بقيمة 150 دولاراً شهرياً.
تبرّر المصارف التأخّر في بدء تطبيق التعميم, بأنه يعود إلى إجراء محاكاة للشروط ومدى انطباقها وتحديد آليات التنفيذ في داخل كل مصرف من جهة, وبين مصرف لبنان والمصارف من جهة ثانية.
أولاً, يترتّب على المصرف التأكّد أن الحساب الذي يطالب باستفادته من التعميم, قد تكوّن بالعملة الأجنبية بعد نهاية تشرين الأول 2019. قبل هذا التاريخ, لن يستفيد بالتأكيد, وذلك مبنيّ على افتراض أن لدى صاحب الحساب المفتوح بالعملة الأجنبية حقّ الاستفادة من التعميم 158 (400 دولار شهرياً أو 300 دولار شهرياً). وذلك بمعزل عن استفادته من التعميم 158 أو عدمه ولأي ظرف كان.
يعود لتقدير المصارف تحديد وجود حركة شيكات على الحسابات التي تطلب الاستفادة
ثانياً, ستُحتسب كل العمليات التي نُفّذت في هذا الحساب على منصّة صيرفة, فإذا كانت قيمتها توازي أو تفوق 75 ألف دولار نقداً, سيُصنّف صاحب الحساب غير مؤهّل للاستفادة من التعميم 166.
ثالثاً, سيتم جمع كل دفعات القروض التي سدّدها الزبون على أسعار صرف متعدّدة, أي في الفترة التي تلت تاريخ 31/10/2019, فإذا كان مجموعها يوازي أو يزيد على 300 ألف دولار, سيُصنّف غير مؤهّل للاستفادة.
رابعاً, كل زبون حوّل وديعته من ليرة إلى دولار بعد التاريخ المذكور بما يوازي أو يفوق 300 ألف دولار, سيُصنّف غير مؤهّل للاستفادة.
خامساً, كل زبون يتبيّن أن لديه "حركة شيكات مصرفية تدلّ على عملية تجارة شيكات بعد تاريخ 31/10/2019" لن يستفيد من التعميم.
ثمّة أمران أساسيان في كل هذه الشروط؛ الأول, أنه يجب على كل مصرف أن يراجع مصرف لبنان للتأكّد من حسابات الزبون في سائر المصارف سواء بالنسبة إلى تسديد القروض أو تحويل الودائع بالليرة إلى دولار أو بالنسبة إلى عمليات صيرفة. وسيتم جمع المبالغ لحساب مدى انطباق التعميم على الزبون أو اعتباره غير مؤهّل.
الأمر الثاني, يتعلق بالبند المتعلق بحركة الشيكات. فالمصرف المركزي لم يحدّد أي معيار لتقدير وحسم صفة تجارة الشيكات ومدى انطباقها على الزبون. وبحسب ما هو واضح لدى المصارف, وما تقوم به فعلياً, فإن تقدير حركة الشيكات سيكون على عاتقها ويعود إليها وحدها تقدير الأمر. هنا يصبح الأمر مثيراً للغاية, إذ إنه يمكن للمصارف تسهيل أو تعقيد صفة تاجر الشيكات من خلال عدة عناصر من أبرزها مراقبة عدد الشيكات المودعة أو المسحوبة من الحساب, وقيمتها أيضاً ووتيرة العمليات والغاية المصرّح عنها... ثمّة الكثير مما يمكن أن تقوم به المصارف لعرقلة الأمر وتصنيف الزبون غير مؤهّل, لكن لن تكون لديها مصلحة حاسمة بذلك ما دامت ستحصل على التمويل النقدي "الفريش" من مصرف لبنان. بهذا التعميم, يخضع مصرف لبنان للمصارف من أجل ترويج فكرة "التسديد التدريجي للودائع" التي اعتُمدت أيام الحاكم السابق رياض سلامة حين أُقرّ التعميم 158, وتُستكمل اليوم في أيام الحاكم بالإنابة وسيم منصوري.
(محمد وهبة - الاخبار )