كتب نقولا ابو فيصل-
للعدالة أبعاد عديدة إجتماعية , اقتصاديّة, سياسيّة, وقانونيّة, والعدالة بدون قوة تصبح عاجزة والقوة بدون عدالة تصبح طاغية . لكن هل باستطاعة القوة ان تحقق العدالة ؟ وما هو تعريف القوة؟ بحسب رأيي فأن القوة تكون بالسيطرة على السلطة , والمال , والإعلام , وسوق العمل , والسيطرة على رواية الحدث وتشويه الحقائق . ولا تكون القوة دوماً بالعنف كما نعتقد , فالعنف ليس أخطر أشكالها. والتحكم بتطبيق العدالة يأتي من قوة النظام الذي يمكنه فرضه. وفي التاريخ كان أرسطو يفُضّل القاضي المُنصف على القاضي العادل, وحسب طرحه فأن القاضي العادل يطبق القوانين, وهي عامة في نصوصها, وتطرح المساواة بين كل الناس, بينما القاضي المنصف هو الذي يكيّف القوانين بحسب أحوال المتقاضين الخاصة, الأمر الذي يساعد على تجديد القوانين وتغييرها بما يضمن الحكم بروحها لا بنصها . ولكن أي عدالة أفضل؟ عدالة القاضي المنصف أم القاضي العادل؟ولطالما ان هدف العدالة هو إقرار المساواة في المجتمع , فهل بإمكانها إنصاف الجميع بنفس القدر؟
في كتابه" الأمير" ينصح الفيلسوف الأغريقي مكيافيللي الأمراء بعدم الالتفات للقيم السائدة في المجتمع, بل يدعو للافراط في استعمال القوة إذا اقتضى الأمر لفرض الهيبة وبحسب مفاهيمه الأهم هو بقاء الأمير(أي الطبقة السائدة), وانه من الأفضل ان يخاف الشعب من الأمير بدل أن يحبوه. طبعاً شرط أن لا يصبح مكروها, لأن ذلك قد يهدد قوة نظامه , ويقول ايضاً أن "أفضل شيء ان يحصل الأمير على القوة بدون رحمة "هذا ما نشهده في تصرفات معظم الأنظمة السياسية حتى تلك التي طبقت النظام الاشتراكي في الماضي ! وهكذا فأن نظرية مكيافيللي بنيت على فكرة القوة وليس على فكرة العدالة, (القوة هي العدالة) وهو ما يميز الأنظمة الرأسمالية , لكننا نلاحظ بداية تحول في الرأسمالية الأوروبية نحو إقرار قوانين جديدة غيّرت الطابع الاستبدادي للنظام الرأسمالي ليس تنازلاً بقدر ما هو إنقاذٌ للنظام أمام تعاظم وتنامي الوعي في المجتمع ودور الاحزاب في تسريع عملية التحول نحو الديمقراطية,
أي عدل وأية رحمة واين العدالة في صلب يسوع المسيح ومعاقبته وتعذيبه وهو بريء لم يقترف ذنباً من قبل بيلاطس البنطي الذي تولى محاكمته , وأصدر الحكم تبعاً لمنطق القوة وليس العدالة بعد أن هتف جمع اليهود يطالبون بصلبه , وما هو واضح فأن العجز عن تحفيق العدالة يبرّر عدالة القوة , حتى في الأنظمة الديمقراطية فأنه بإمكان القوي أن يفرض عدالته الخاصة بالقوة , وهذا ما حصل في اب 1945 حين تم تفجير قنبلتين ذريتين فوق مدينتي هيروشيما وناكازاكي , وأدت إلى مقتل مئات الالاف من شعب اليابان وتحققت بذلك عدالة القوي . علماً أن هؤلاء يدّعون شرعة حقوق الإنسان التي يتم انتهاكها من الأقوياء الذين قتلوا وأبادوا الملايين من البشر في ارمينيا وفيتنام واوكرانيا وأفريقيا والعراق وسوريا وفلسطين , وحده منطق القوة هو الذي يمنحهم الحصانة من المساءلة ومع ذلك يتشدقون بحقوق الإنسان وحمايتها وهم أول من ينتهكها لأجل مصالحهم ويفصلون القوانين على قياسهم ومزاجهم . وفي الاخير متى يقتنع العالم بأن يعتمد مقاربة اعطاء الحقوق لاصحابها بعّدل بدل مقاربة القوة والقتل؟ولكن الشريعة السائدة هي لا سلام على الارض بدون عدالة ولا عدالة الا بالقوة.
(من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا أكتب "جزء 6)