"ضرب جنون". في توقيت مريب, وبخطوة غير مدروسة قانوناً وغير متوقعة من قاضٍ سبق أن حلّ ضيفاً مكرماً على "نادي القضاة" مع بلوغه السنّ القانونية, أحال رئيس مجلس شورى الدولة السابق, وزير العدل في الحكومة المستقيلة, هنري الخوري, "جمعية نادي القضاة" على التفتيش القضائي, بعد أن كان من اشدّ الداعمين لإنشاء تجمّعٍ للقضاة في لبنان خلال العقود الماضية, وقبل أن ينخرط في السياسة من بوابة وزارة العدل التي يناضل "النادي" لانتزاع استقلاليته عنها وعن جميع السلطات السياسيّة الأخرى, أي السلطتين التنفيذية والتشريعيّة.
فبعدما توقف بعض المتابعين عند التاريخ العريق للقاضي هنري الخوري ونضاله في صفوف المطالبين بتحقيق إستقلاليّة السلطة القضائية, عبروا عن استغرابهم لأن يؤدي الإنتقال إلى صفوف السلطة التنفيذية, إلى الإصابة بعوارض السلطة ومضارها من خلال إقصاء لا بل ترهيب الأصوات المطالبة باستقلاليّة السلطة القضائية والوقوف إلى جانب القضايا المحقّة التي تهم الشأن العام, ومكاشفة الرأي العام عبر الإعلام بملفات الفساد والخفايا التي تعيق التحقيق في العديد من القضايا وليس آخرها ملف تفجير مرفأ بيروت.
وإذ لا يخفي المتابعون, إنزعاج وزير العدل من تدخّل "نادي القضاة" في الشؤون السياسيّة والشأن العام أمام من يلتقيهم, تساءلوا ما إذا كان اتهام نادي القضاة بـ"التسييس" وإحالته على التفتيش القضائي, في خطوة غير مدروسة قانوناً, يندرج في إطار الإمعان في تلبية رغبات بعض الجهات السياسيّة؟!.
وما يزيد الريبة في ادعاء الوزير, وفق المطلعين, أنّ القاضي هنري الخوري أحال "نادي القضاة" والأنشطة كما البيانات التي تصدر عنه إلى التفتيش, أي النشاطات التي يقوم بها النادي كشخصيّة معنوية, ولم يعمد إلى إحالة قاضٍ معين إلى التفتيش القضائي الذي ترأسه القاضية سمر السواح بالإنابة.
وهذا ما وضعه المعنيون في إطار التخبّط المستمر في وزارة العدل, تحديداً وأنّه لا صلاحيّة للتفتيش القضائي وفق القانون في اتخاذ إجراءات بحق جمعيّة نادي القضاة المنشأة بموجب علم وخبر صادر عن وزارة الداخليّة, وتتمتع بشخصية معنوية يعود قرار محاسبتها وحلها أو سحب العلم والخبر منها إلى مجلس الوزراء مجتمعاً. وهذا ما من شأنه أن يحوّل الجنوح في تقييد عمل "النادي" إلى قضية رأي عام.
وتتقاطع الأوساط القضائية حول توصيف خطوة وزير العدل هذه بأنّها غير مدروسة وغير موفقة قضائياً, وفي هذا التوقيت بالذات, لا سيما وأنّ "النادي" عبر غالبيّة أعضائه يعمل على متابعة مطالب القضاة على خط تحقيق مطالبهم المحقة, لتغمز من إمكانية وجود "طابور خامس" يهدف إلى ترهيب القضاة وقمع الرأي الحرّ وحريّة التعبير.
في الغضون ورغم عدم صلاحية الوزير في إحالة شخصية معنوية إلى التفتيش القضائي, ووضع الأخير أمام هكذا سابقة, إستمعت أول من أمس القاضية في التفتيش م. ج. على مدى ساعتين إلى رئيس وأعضاء الهيئة الإدارية لنادي القضاة. ولفت المتابعون إلى أن إجراءات التفتيش سريّة, ولا يمكن التكهن بطبيعة الخطوات التي سيعتمدها مع الإدعاء, والتي قد تتراوح ما بين الإستماع لـ"النادي" من جديد, أو إتخاذ إجراء فوري بحقه, علماً أنّ قراراته قد تصل إلى الطرد, وتحويل القضاة إلى المجلس التأديبي, قبل العودة إلى التشديد على أن المشكلة الأساسيّة تكمن في أن البتّ في الإدعاء هو من خارج صلاحيته أو إختصاصه كون الإدعاء يطال الجمعية, ما قد يتيح للتفتيش فتح باب الاجتهاد!
(نداء الوطن)