بعد الجدل الذي أثير حول سوق البلاط ونيات إعادة ترميمه التي ظهرت في أكثر من مبادرة "حزبية", صارح رئيس بلدية زحلة – معلقة وتعنايل أسعد زغيب الزحليين بما يلي:
أولاً لا شك أنها مناسبة اليوم لتهنئة الزحليين, بهذا التنافس من أجل ترميم أقدم أسواق مدينة زحلة, والذي يعكس إستشعار المتنافسين لما يعنيه هذا السوق بالنسبة للزحليين الذين نشأوا على سماع أهميته كصلة وصل بين الشرق والغرب, وعلى تكرار حكاياته الشعبية الطريفة والواقعية في آن معا, والتي تتراكم مع هندسته المعمارية لتجعله فرصة حقيقية لتنشيط الحركة السياحية في زحلة.
كما أنه من الجيد أن تسترعي زحلة أخيراً إهتمام الأحزاب التي يتمثل كل منها على طاولة المجلس, وذلك بعد سبع سنوات ونصف من النموذج الذي شكّلته زحلة بمجلسها البلدي الجامع لمكونات التركيبة السياسية اللبنانية على تناقضها, حيث تمكنت البلدية في الحفاظ على وحدة صفها, على رغم الإخفاقات المسيحية في توحيد الصوت, أقله لإنتخاب رئيس للجمهورية يعيد عجلة الحياة العامة المعطلة إلى السكة مجددا.
ولكن ما لا يمكن أن نقبل به بأي شكل من الأشكال, هو أن يتحوّل هذا التنافس ثغرة لتسلل الخلافات السياسية الى طاولة مجلس بلدية زحلة الجامعة, فيلحقها بالمؤسسات المعطلة بفضلها.
ولذلك حرصاً منا على مصلحة زحلة التي تعلو ولا يعلى عليها, لا بد من سرد الوقائع التالية التي رافقت الطروحات المقدمة لإعادة ترميم سوق البلاط, إنطلاقا من قناعتنا بمبدأ الشفافية وبحق الزحليين بمعرفة كل المسائل المتعلقة بمدينتهم.
في 31 شهر آذار من العام الجاري, أعرب رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل خلال مناسبة عشاء, عن رغبته في ترميم سوق البلاط بعدما زاره وأعجب بما يحويه من قيمة تراثية. رحبنا بالموضوع, وفتحنا أبواب البلدية أمام نقاشات خيضت مع وسام شريم بتكليف من باسيل, بعد أن أبدينا كل إنفتاح وتعاون في تقديم المخططات والدراسات الموضوعة لهذا السوق منذ زمن.
كان النقاش لا يزال مستمراً عندما قامت القوات اللبنانية عبر جمعية مركز التتنمية والديمقراطية والحوكمة CDDG بتسجيل طلب في دوائر البلدية, تعرب فيه عن رغبتها بتأمين كلفة تأهيل سوق البلاط, على أن تطلع البلدية على تفاصيل مشروعها في حال الموافقة المبدئية على طلبها.
لم نعط أي موافقة على المشروع قبل الإطلاع على الأفكار المقترحة, والتي تضمنت حينها سقفا للسوق وتجهيزه ببوابة تفصله عن المحيط, الأمر الذي رفض من قبلنا, وعليه طلبنا تعديلات ضرورية قبل عرض الأمر على المجلس البلدي. ولكننا إستجابة لطلب النائب الياس إسطفان الذي تابع الموضوع في البلدية, أجبنا الجمعية برد خطي رسمي أسوة بطلبها المسجل في الدائرة, لنقرن الموافقة النهائية على المشروع بتقديم الدراسات الفنية بالتشاور والتعاون مع البلدية حتى يصار الى عرضها على المجلس البلدي لإعطائها الموافقة النهائية حسب القوانين المرعية.
وجود عرضين لترميم السوق في المقابل واحد شفهي والثاني خطي, كاد يتسبب بتنافر بين اعضاء المجلس البلدي المنتمين لكلا الحزبين, ولذلك حرصا منا على الروحية الزحلية في إدارة أمورنا عبر المشورة والنقاش, والتوصل الى إتخاذ القرارات بالإجماع كما إعتدنا تاريخيا في كل قرار يتعلق بمدينتنا, إقترحت تشكيل لجنة من أعضاء المجلس البلدي الذين لطالما أظهروا إنتماءا لمدينتهم يتفوق على اي إنتماء آخر. ولأن الموضوع إقترن بإلحاح كل حزب على سحب المشروع لناحيته, تمنى الأعضاء أن أتولى النقاشات مع رؤسائها نيابة عن الجميع.
إنتهينا الى طلب موعدين مع رئيسي الحزبين, وكان الأول مع الوزير جبران باسيل الذي شرحنا له التضارب الحاصل ولمسنا منه رغبة واضحة وجدية بتبني تأهيل السوق.
وعليه بتنا أمام طرف يتمسك بالمشروع ولكنه لم يقدم اي طلب رسمي أو تصور نهائي له حتى الآن, وطرف آخر قدم طلبا رسميا, وإتخذ الإجراءات التي تضمن له الموافقة المبدئية من قبلنا.
ما نود التأكيد عليه ان قلب زحلة كبير ويتسع للكل, كما أن المدينة تحتاج لمشاريع كثيرة, وإذا كانت النيات الحزبية طيبة, وتنافسها على مصلحة الزحليين أولا, فلا بد أن تجد مسافة مشتركة بينها. فلا خلاف على المصالح الإنمائية للناس. وهذا ما حاولنا التأكيد عليه أكثر من مرة, وأخذنا المبادرة بشأنه عندما أمنا للنواب الذين يمثلون كافة الأطراف مكانا محايدا للّقاء على طاولة إنمائية مستديرة في القصر البلدي.
أما بالنسبة لنا في بلدية زحلة فنحن مستعدون لتزويد كل من يرغب بترك يصمة في المدينة بأكثر من ملف يحتاج الى تمويل في ظل ظروف تسبب بها الواقع السياسي وجعلت الميزانيات غير كافية لتحقيق الرؤى. حتى أن لدى البلدية الرؤية لإستثمار ما يتوفر لدى هذه الأحزاب من تمويل في المكان نفسه, الذي لا يقتصر على شارع سوق البلاط وإنما يمتد من كنيسة مار انطونيوس حتى سيدة الزلزلة مرورا بحي مار جرجس ومار مخايل, وهذه منطقة مترابطة, وهي تشكل الإمتداد الطبيعي لزحلة القديمة التي كانت أول من سكنها أهلنا, وأهمية كل شارع أو حي فيها لا تقل بالنسبة لنا عن الأخرى.
هذا مع ضرورة الإيضاح بأن عائق بلدية زحلة في ترميم هذا السوق, الذي نوقش ووضعت مشاريع ورؤى لترميمه منذ سنة 2002, لم يكن مالياً, وإنما يرتبط بتعقيدات في الملكيات, والتي جرى توارثها من جيل الى آخر من دون حصر للإرث, ما جعل لعقار واحد لا تتجاوز مساحته ال15 متر عشرات المالكين, وبالتالي بات صعبا على هؤلاء إستثمار هذه الممتلكات أو بيعها أو تأجيرها. وهذا هو الواقع بالنسبة لستين بالمئة من المحلات الموجودة في المكان, والتي تجعل عملية الإنفاق البلدي في هذا المكان من دون حلحلة العقد هدراً للمال لا يضمن تعميم المصلحة. علماً أننا نملك تصوراً حول حل هذه العقد, ولكننا حريصون على أن لا يكون ذلك بوضع اليد على ممتلكات الناس.
يبقى أن ما يهمنا من أي مشروع يطرح في هذا الموقع أو سواه هو الفائدة التي سيجنيها مجتمعنا الزحلي المحلي منه. ولذلك نرحب بأي مبادرة تسعى الى تحقيق هذا الهدف, ولكننا نرفض أن يكون ذلك مشروع خلاف في المدينة. هذه هي المعايير التي تجمعنا على طاولة مجلسنا البلدي, وهذه الروحية التي سنبقى نحارب كي نحافظ عليها في زحلة. وأبوابنا كما قلوبنا تتسع لكل من يشاركنا في تقديم مصلحة زحلة أولا.