القصر البلدي بما يجمعه من تراث عمراني, ومحاولات لحفظ ذاكرة زحلة التاريخية في قسمه المخصص للأرشيف, بالإضافة الى تصنيف مباني مدينة زحلة التراثية, والسعي لإصدار قانون يحفظ الإرث العمراني الذي خلّفته الأجيال الماضية, وإختضان إطلاق مسارات سياحية لإلقاء الضوء عليها, وصولا الى تخليد الذاكرة الأدبية والشعرية للمدينة في حديقة الممشية التي باتت تعرف بحديقة الشعراء, كانت أبرز محاور المحاضرة التي ألقاها رئيس بلدية زحلة- معلقة وتعنايل بدعوة من منبر زحلة الثقافي والإجتماعي.
" إذا ضاعت الأصول ضاع التاريخ" تحت هذا العنوان وجهت الدعوة لعموم الزحليين للمشاركة في إكتشاف ثروة زحلة التراثية, والتي قدم لها المنبر بالإضاءة على 14 بيت ومعلم تراثي موجود في المدينة, قبل الإنتقال الى كلمة زغيب.
أما زغيب فقد إستهل كلمته أوّلا بالتأكيد على أن "التراث ليس فقط أبنية قديمة, وإنما هي تقاليد وقيم يجب أن نحافظ عليها, وروابط الإحترام والتضامن مع الجوار يجب نتمسك بها, ونصر على تناقلها من جيل الى آخر.
وبعد وقفة عند علم زحلة الذي بات جزءا من تراث المدينة غير المنسي, بفضل الإضاءة عليه بعد لقاء جمع زغيب مع مدير عام غرفة التجارة يوسف جحا الذي يحتفظ بهذا العلم كجزء من الإرث التاريخي لعائلته, تطرق الحديث الى القصر البلدي. هذا القصر الذي إنتهى ترميمه منذ سنة 2018, وإنتقلت البلدية الى البحث في تاريخ عمرانه, فإكتشفت كما يكرر زغيب في كل مناسبة "أننا نحن الزحليون من بنيناه, خلافا لما كان الإعتقاد السائد في الماضي بأن السلطنة العثمانية هي من بنته."
فروى زغيب أن فكرة إقامة سراي حكومي يحضن كافة الدوائر الرسمية ولدت منذ سنة 1879/ وإتخذ القرار في سنة 1881 ببناء السراي, وفي سنة 1888 أنجز العمل ودشن, ليحضن الدوائر الرسمية حتى ما بعد مرحلة الإنتداب الفرنسي, عندما بدأ تشييد مقر جديد للمحافظة ومن ثم قصر عدل إنتقلت اليهما دوائرهما, وبقي القصر البلدي حاضنا لأعمال البلدية والسجن المركزي لمنطقة البقاع.
عام 1998 في أول قرار للمجلس المنتخب حينها برئاسة اسعد زغيب إتخذ القرار بنقل السجن من مكانه, ووهبت البلدية مئة مليون ليرة للقوى الأمنية لإيجاد مركز جديد لإقامة السجن. وتحقق الأمر في العام 2010.
في العام 2016 بدأ ترميم القصر وسنة 2018 تم الإنتقال الى القصر الذي تحول تحفة.
قصر بلدية زحلة أثار إهتماما أيضا حول غنى زحلة بالبيوت التراثية, فكلفت البلدية المهندس المعماري حبيب الدبس لوضع دراسة عن هذه المباني التراثية, فإكتشف في زحلة ما لم يلتق به بأي مدينة من المدن التي عمل فيها سابقاً. إعتبر الدبس مباني زحلة التراثية "الماسة" ولكنه رأى انها تحتاج الى صقل. أما البلدية فإتخذت القرار بتصنيف هذه المباني والتي وصل عددها الى 820 بيت يتركز معظمها في عمق زحلة وفي المعلقة, وسمحت بإستثمارها التجاري والسياحي, وسهلت ظروف توارثها وفرزها. وهي حاليا بإنتظار صدور القانون النهائي لتصنيفها بعد أن تمت الموافقة على ذلك من قبل المجلس الأعلى للتنظيم المدني.
ولفت زغيب الى أن بعض هذه المباني يشكل عنصر جذب سياحي, وهي موضوعة على خط مسارات سياحية سبعة أحدها داخل أحياء زحلة القديمة, (تقوم بتنظيمها مجموعة ع دروب زحلة) وقد رعت البلدية إطلاق هذه المسارات, وأصبحت اليوم تضم مجموعة من المرشدين الذين يعلمون بتفاصيل المدينة تاريخها زواريبها وادراجها وكنائسها وينشرون المعرفة بين زوار المدينة واهلها.
والى جانب سعي البلدية الدائم لتشجيع تراث زحلة في صناعة المأكولات والعرق, لفت زغيب أيضا الى مشروع هام تحقق عبر المكتب التقني للبلديات, من خلال الشراكة التي أرسيت مع مقاطعة السان ماريتيم الفرنسية, وإنطلق بمشروع إعادة تنظيم الأرشيف ومكننته, بحيث يصبح متاحاً للجميع. ولفت زغيب أن هذا المشروع شكل "هدفاً أساسياً بالنسبة لنا لما يؤمنه من حفظ لذاكرة المدينة."
والبحث بأرشيف زحلة سمح لرئيس البلدية كما قال بالتعرف الى المجالس ورؤساء البلديات الذين تعاقبوا في المدينة منذ عهد المتصرفية, وإذا كان عهد المتصرفية وحتى ما بعد الإنتداب الفرنسي لم يعرف رؤساء بلديات من ابناء المدينة, لفت في المقابل الى كون أعضاء المجالس هم من ابناء المدينة, وسيتم تخليد ذكراهم عبر لوحة كبيرة ستضم أسماء كل من تعاقبوا في خدمة المدينة عبر بلديتها منذ عهد المتصرفية وحتى اليوم. الى جانب تخليد ذكرى أدباء زحلة وشعرائها في حديقة الشعراء, الذي أشار الى تطوير فكرتها لتأمين نشر معرفة اكبر حول التماثيل التي باتت تحضنها, وتعريف الأجيال الجديدة على هؤلاء وأبرز ما قدموه لزحلة على الصعيد الأدبي.
ومن هنا أكد زغيب أنه فيما يتعلق بالحفاظ على التراث فإن المجلس البلدي يعمل بقدر امكانياته. مشددا على أهمية التعاون بين جناحي زحلة المقيم والمغترب في كل ما يتعلق بالمدينة. وذكّر بأن لا فرق بين زحلي وآخر سوى بمن سبق الآخر في الوصول اليها. فأبناء هذه المدينة جميعهم قصدوها طلبا للحرية. "فأخذنا حريتنا, وبنينا مدينتنا, وأسسنا لمستقبلنا وإتخذنا قراراتنا بذاتنا, وقمنا بإدارة شؤوننا بأنفسنا, على أمل ان نصل يوما ما الى نوع من اللامركزية الادارية لنثبت بأن زحلة سباقة بهذا الموضوع."
بعد المحاضرة قدم رئيس المنبر البروفسور أنطوان ساروفيم مع الأعضاء درعا تقديريا لزغيب, شاكرا له جهوده التي يبذلها في الحفاظ على الإرث الثقافي للمدينة.
وكان قد قدم للمحاضرة سمار الرامي التي تحدثت عن التراث العمراني في مدينة زحلة واهميته, ثم قدمت لرئيس البلدية سهى نخلة,