كانت القراءات الاقتصادية والمالية توحي انّ سقف الاستقرار النقدي سيكون في نهاية شهر آب الماضي. لكن استمراره من دون اي اهتزاز, فرض علامات استفهام: هل تستطيع إجراءات حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري إبقاء الانضباط النقدي؟ وإلى متى؟
مرّ البلد ولا يزال بمحطّات أمنية حسّاسة, آخرها أحداث عين الحلوة, وسط ازمة سياسية مفتوحة تولّد جموداً في التشريعات الاصلاحية, بينما تُبقي الخطابات السياسية التصعيدية لبنان في دوّامة التوتر, لكن الليرة حافظت على سعرها الثابت في السوق السوداء, منذ مطلع شهر آب, ليس صدفة, بل نتيجة إجراءات ناجحة يعتمدها حاكم المصرف بالإنابة.
يقول مطّلعون, إنّ الشفافية التي استند اليها منصوري شكّلت المدماك الأساسي للاستقرار, فهو كشف للرأي العام خبايا الموجودات من عملات وذهب.
كما عمد الحاكم بالإنابة الى إنهاء منصّة صيرفة التي كانت تكلّف اعباءً مالية, وترك مفعولها لموظفي القطاع العام لا غير, فنجح في اجتياز امتحان تأمين الرواتب بالدولار, وهي مسألة شكّلت عنصراً أساسياً من عناصر تثبيت الاستقرار النقدي. لماذا؟ لأنّ دفع الدولار لموظفي القطاع العام حقّق اهدافاً جوهرية اساسها عدم إغراق السوق بالعملة اللبنانية التي كانت ستفقد جزءاً اضافياً من قيمتها, نتيجة مسارعة الموظفين الى استبدال رواتبهم بالدولار لزوم المستحقات والخدمات التي اصبحت بالدولار, وعندها سيخسر المستفيدون وهم 400 الف عائلة, أجزاءً من قيمة رواتبهم المتدنية اساساً.
ويضيف المطّلعون, أنّ منصوري ترجم الشفافية في عملية الحصول على الدولار من السوق لزوم تلك الرواتب وحاجيات القوى الأمنية والعسكرية, بفرضه معرفة مصادر ومسار الدولار وهويات المتعاملين به, ومنع شرائه من جهات حزبية. وبذلك استطاع الحاكم بالإنابة ان يطيح كل الشُبهات حول مصادر الدولار, ونجح عبر هذه العملية بتحطيم عمليات المضاربة الوهمية والحقيقية التي كانت تجري سابقاً. كما انّ اجراءات منصوري بالتعاون مع الأجهزة القضائية والأمنية قيّدت المضاربين وأحبطت كل محاولاتهم للعب بسعر الصرف.
امّا الإجراء الأهم, فكان في منع الحاكم بالإنابة ضخ الليرة اللبنانية في السوق بشكل عشوائي, كي لا يحصل تضخّم يضرب سعر الليرة مقابل الدولار. وهو امر تكرّر بالتعامل مع الحكومة, خصوصاً إزاء مطالب وزارات كالطاقة والمياه بشأن الكهرباء.
وتؤكّد المعلومات انّ منصوري ماضٍ في ذات النهج, معطوفاً على اجراءات اصلاحية باتت موضع إشادة مالية دولية, كما بدا في المؤتمر المالي الذي انعقد في المملكة العربية السعودية الاسبوع الماضي, وستحضر مع الحاكم بالإنابة في اجتماع صندوق النقد العربي في الجزائر نهاية الاسبوع الجاري.
واذا كانت العناصر التقنية التي يعتمدها منصوري لضبط الاستقرار النقدي باقية, فهل من المحتمل انخفاض قيمة الليرة أمام الدولار؟
لا توحي المؤشرات انّ الاستقرار النقدي سيتعرّض لأي اهتزاز, بدليل عدم التدرّج في تغيّر سعر الصرف, لا صعوداً ولا هبوطاً, خصوصاً انّ منصوري لن يخاطر بهذا الاستقرار وسيتدخّل عبر منّصة "بلومبرغ" بالوسائل التقليدية المتوافرة ايضاً لإبقاء الاستقرار.
وإذا كانت التحليلات تتحدث عن ارتفاع وارد, فهي تبني قراءاتها على اساس تجارب السنوات او الاشهر السابقة من جهة, وعلى فرضية انّ حجم الدولار سيتراجع بعد مغادرة المغتربين. لكن العوامل التقنية التي يعتمدها المركزي حالياً قادرة على فرض الانضباط, بانتظار اصلاحات مالية تؤمّن استمرارية الاستقرار, خصوصاً في ظلّ حاجة الدولة الى تمويل يرفض الحاكم بالإنابة ان تكون على حساب اموال المودعين, وهو موقف لاقى تأييداً ايجابياً من جمعيات المودعين التي اجتمعت ومنصوري منذ يومين, وأشادت بخطواته الاصلاحية. غير انّ الكرة تقع في ملعب القوى السياسية التي يفرض الواقع المالي والاقتصادي ان تتحرّك بإتجاه اقرار تشريعات تشكّل مدخلاً اجبارياً للحلول, واساسها ان الاستقرار النقدي الحالي يتطلّب إصلاحات وتأمين إيرادات للدولة من اجل استدامة الاستقرار.
(الجمهورية)