مع بداية الموسم السياحي من الضروري جداً إعادة فتح هذا الملف من جديد, لأن مطار بيروت هو البوابة الرئيسية التي يستقبل بها لبنان السياح والمغتربين. فهل تتحرك الوزارات المعنية من داخلية وبيئة وسياحة وزراعة وأشغال... أم يستمر اللبنانيون باستقبال مئات آلاف الوافدين بهذه الطريقة المشينة من دون تحريك ساكن!
كارثة بيئية مستمرة تصيب بيروت منذ سنوات. ومنذ سنوات طويلة نناضل لوقف الروائح الكريهة ولابعادها عن مطار رفيق الحريري الدولي وعن بيروت بالكامل. في حين أن السيّاح والمسافرين يعبرون دائماً عن "قرفهم" من الروائح الكريهة التي تستقبلهم في المطار. وقد أصبح من الضروري والملّح التصدي لهذه الكارثة البيئية والسياحية والصحية في آن. وأنا أقوم هنا بتحديث المقال الذي كنت نشرته في 5 أيلول 2019. وألاحظ أن الوضع يزداد سوءاً!
قد يكون الأهم والأسهل اليوم هو منع زيادة مصادر الروائح الكريهة التي تصيب مطار رفيق الحريري الدولي في المستقبل القريب عبر وقف انشاء معمل الكومبوستينغ الذي يشيد في مكان ملاصق لمدرج المطار (ولا أعرف أين وصلت المنشآت اليوم), في حين أن بلدية الشويفات تشتكي أنها متضررة, وأن اتحاد بلديات الضاحية يؤمن بمنشآت على طريقة محرقة فيينا! هذا المعمل سوف يزيد الروائح الكريهة على مطار بيروت عشرات الاضعاف. فكيف يمكن لعاقل القبول بذلك؟! في حين أنه يمكن تحويل مبنى هذا المعمل إلى مبنى إداري أو ما شابه. وبالتالي يجب نقل معمل الكومبوستينغ إلى مكان بعيد عن المطار وعن الشاطىء وعن المنازل والمناطق السكنية.
سبعة مصادر مباشرة على الأقل هي اساس الروائح الكريهة التي تصيب مطار رفيق الحريري الدولي. وهذه أبرزها:
1 - المصدر الأول, وهو الاكثر تأثيرا على مطار بيروت, هو الروائح الكريهة التي تنبعث من حوالى 15 مزرعة بقر وماشية و15 مسلخاً (ومشاريع دواجن) في محيط مناطق الشويفات وخلده, يشرف معظمها على مطار رفيق الحريري الدولي, ويفصل بينهم وبين المطار, أحياناً, طريق بعرض حوالى 10 أمتار فقط!!! ويمكن رؤية بعض من نفاياتها ومن دماء المسالخ في مجرى نهر الغدير. والغريب أن هذه المزارع التي تضم آلاف رؤوس الماشية مع سوادها الذي يغطي أراضيها, لا جدران لها!! وإن اخف حركة للرياح تنقل روائح روث الماشية إلى المطار وإلى السياح والمسافرين والى كل من يمر بجانب مطار رفيق الحريري الدولي. إن معاينتنا لهذه المزارع والمسالخ, منذ سنوات, قمنا بتحديد التأثير الكبير لهذه الروائح الكريهة على مطار رفيق الحريري الدولي. وللمفارقة, انه بصورة فوتوغرافية واحدة وعادية يمكن التقاط بمشهد واحد شخص ما مع البقر ومع الطائرات ومع مطار رفيق الحريري الدولي! والحل هنا هو على مرحلتين, الأولى هي برفع الجدران حول المزارع, والثانية هي بنقل المزارع خلال سنتين من محيط المطار إلى مناطق زراعية بعيدة عن الشاطئ.
2 - المصدر الثاني هو مطمر مطار بيروت المعروف "بالكوستابرافا". إن حركة النفايات العضوية فيه وإليه تتسبب بالكثير من الروائح الكريهة. كما ان العمل في الوحدتين الأخيرتين فيه اي الثالثة والرابعة وهما الأقرب إلى مدرج المطار يتسبب بالمزيد من هذه الروائح الكريهة. ومن الطبيعي في إطار خطة وطنية شاملة وقف كل عملية الطمر على أي نقطة على الشاطىء اللبناني.
3 - المصدر الثالث هو نفايات منطقة الليلكي وحي السلم, وهي المنطقة المنسية والمهملة تنموياً! والحل هو في ايلائها الاهتمام اللازم لانمائها, وتجنب للرمي العشوائي لنفاياتها وتجنب حرقها. وذلك, بالإضافة إلى تأهيل شبكات للصرف الصحي فيها تصل إلى المحطة المطلوب إنشاؤها وتتصل بها.
4 - المصدر الرابع هو نهر الغدير يصب تحت مطار رفيق الحريري الدولي مباشرة, وقد صار منذ سنوات مجروراً عملاقاً تصب فيه كل مجارير المناطق المحيطة. والحل هنا هو في معالجته وإعادة تأهيله, وبتحويل مصبات الصرف الصحي عنه, وبمنع رمي مختلف أنواع النفايات فيه, من نفايات المسالخ والمزارع والنفايات الصناعية والنفايات المنزلية القريبة.
5 - المصدر الخامس, وهو مكمل للسابق, هو في عدم وجود محطة للصرف الصحي عاملة في بيروت, في حين أن محطة الغدير معطلة, وهي من الأساس لم تكن مجهزة للعمل بتكرير ثانوي أو ثالثي! ومصبات المجارير ظاهرة للعين في عدة نقاط على شاطئ البحر في بيروت, بينها تحت الجامعة الأميركية وعلى الرملة البيضا... والحل هو بإنشاء سريع لمحطة صرف صحي في منطقة الغدير تقوم بالتكرير الثالثي Traitement Tertiaire, وليس بزيادة طول القساطل إلى داخل البحر الملوثة لشواطىء بيروت ولبحرها!
6 - المصدر السادس هو معمل فرز العمروسية, حيث الفرز به من دون أي فعالية. بالإضافة إلى استقباله لمعظم نفايات المسالخ القريبة منه, والتي يجب معالجتها بشكل منفصل. ان حركة النفايات العضوية منه وفيه وإليه تتسبب بروائح كريهة كبيرة. والحل هو بتخفيض حجم تدفق النفايات العضوية إليه تخفيضا جدياً (طرحنا أسسه في خطتنا المقدمة لإدارة متكاملة للنفايات الى المجلس النيابي منذ سنوات), كما بتفعيل جدي للفرز به يصل الى نسبة 35 % على الأقل, مع ماكينات تعمل بفعالية.
7 - المصدر السابع هو معملان لتصنيع الزفت قريبين من مطار رفيق الحريري الدولي. وخلال معاينتنا لهاتين الزفاتتين يومها اشتكى الكثير من الأهالي من روائحها ومن الغيوم السوداء التي تبثها وترتفع بين حين وآخر منهما, في حين قال المشرفان عليهما إنهما مجهزتان بالفلاتر! وقد كانت الاتهامات متبادلة بين إدارة المزارع والمسالخ من جهة وبين إدارات المعملين حول من هي الجهة الاكثر إنتاجها للروائح الكريهة!!!
مصادر إضافية للروائح الكريهة تصيب بيروت من الجهة الشرقية, وهي تصيب ليس فقط ساحل المتن بل تصل إلى المدن المرتفعة مثل عين سعادة وبيت مري. وهذه الروائح الكريهة متأتية من مصبات المجارير على البحر في ساحل المتن, ومن مطمري برج حمود والجديدة - البوشرية, وهذا الأخير مستمر في التمدد وفي الارتفاع, ومن حركة النفايات العضوية فيها واليها, ومن معمل فرز النفايات في الكرنتينا غير الفعال ومن معمل الكومبوستينغ في الكورال الذي لا نفع لعملية التخمير فيه (والمعملان تضررا كثيراً بتفجير المرفأ. ويتمّ إعادة تأهيلهما حالياً), إذ بعد بث المعملين للروائح الشديدة يذهب كل ما يخرج منهما إلى الطمر! ولبنان يتكلف مئات ملايين الدولارات من أجل "كزدرة" نفاياته قبل طمرها بالكامل! أي يدفع كلفة المعالجة مرات عدة من دون أي معالجة حقيقية لها!
إن جميع معامل الفرز والكومبوستينغ تحتاج إلى وسائل معالجة متطورة للروائح الكريهة الصادرة عنها مثل تركيب بايوفيلتر فعال, والى حلول أخرى باستعمال تقنية الكلس التي تمتص عصارة النفايات وقسما من الروائح المنبعثة منها... وإذ يدّعي البعض تركيب أفضل البايوفيلترز, إلا أن الروائح على الطرقات الرئيسية في بيروت وفي مدن ساحل المتن وفي محيط هذه المعامل لا تطاق وتثبت عكس ذلك! كل هذا, من دون ذكر عملية حرق النفايات داخل المطامر, والتي تتمّ في الغالب ليلاً, تحت جناح الظلام!
إن تخفيف هذه الروائح الكريهة ممكن على مراحل. ولكن خطوات الحلول تأخرت جداً. وقد آن الأوان لإطلاق فعلي لحملة وقف نهائي لهذه الروائح الكريهة. وإلا فإن مطار رفيق الحريري يرحب بكم وبيروت ترحب بكم بعطور... كريهة!
*رئيس جمعية غرين غلوب والعضو المراقب في الأمم المتحدة في البيئة سمير سكاف