الرأي:
بدو أن تعويل وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي, لإنقاذ العام الدراسي, على جلسة مجلس الوزراء التي وعد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بتخصيصها للموضوع التربوي, مجرّد سراب. فبعيداً من المشاكل السياسية مع رئيس التيار الوطني الحر, جبران باسيل, لعقد جلسات للحكومة, لم يكن لدى ميقاتي حلول لهذا الملف الشائك, وهذا أحد الأسباب الأساسية التي أدت إلى "تطيير" الجلسة. فقد أيقن ميقاتي أنه غير قادر على تلبية ما يطالب به "أهل" القطاع التربوي, سواء لناحية مطالب أساتذة التعليم الرسمي أو لناحية مطالب أساتذة الجامعة اللبنانية أو حتى أساتذة القطاع الخاص.
اقتراحات تعمّق جهل الطلاب
شعر الحلبي أنه متروك حكومياً فلجأ إلى بدائل متعددة, في محاولة للنجاة بوازرته, لكنها تبدو غير مجدية. وهو يعقد اجتماعاً مع مسؤولين في الوزارة (وزارة التربية والمركز التربوي للإنماء والبحوث) اليوم عند الساعة الثالثة, كي يعرض كل طرف رؤيته لكيفية تسيير العام الدراسي, ووضع خطة لهذا الأمر, وفق مصادر مطلعة.
فالوزير غير قادر على دفع حوافز أكثر من تلك التي عرضها سابقاً (تسعون دولاراً) والاتكال على الحكومة لرفع بدل النقل أو اعتماد سعر صيرفة خاص بالأساتذة, غير مضمونة النتائج. بالتالي قد يصار إلى طرح أفكار على سبيل العودة إلى التعليم ليومين أو لثلاثة أيام بالأسبوع, مع ترجيح ثلاثة أيام. بما يعني محاولة تخفيف الأعباء على الأساتذة كي يقبلوا بالعودة إلى التعليم. لكنها أفكار غير تربوية وسبق وعرضها أحد أطراف رابطة التعليم الثانوي, ولاقت رفضاً من أعضاء الرابطة قبل الأساتذة نفسهم. فهم يريدون تحسين وضعهم المعيشي وليس العمل أقل, على قاعدة العمل بقدر الراتب. وعليه ستتكرر مشاهد انتفاضة الأساتذة على الحلبي كما حصل في المرتين السابقتين: طرح الخمسة دولارات يومياً ثم طرح المئة دولار عن الأشهر الثلاثة المنصرمة.
التعليم ليومين أو ثلاثة في الأسبوع يعني القضاء على التعليم الرسمي, لأنه حتى على المستوى اللوجستي (في حال قبول الأساتذة بالعودة إلى التعليم) سيعقّد التعلم على الطلاب, وسيؤدي حكماً إلى تخفيض المناهج أكثر من السابق, وذلك بعد ثلاث سنوات على التخفيض المستمر للمناهج. وبالتالي, على الحلبي رفض هذه المقترحات التي تودي بالطلاب إلى الجهل المحتم, تقول المصادر.
لا خلاص إلا بقرض البنك الدولي
وتضيف المصادر أن الوزير يدور في الحلقة المفرغة عينها, ولن يتمكن من إقناع الأساتذة, خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة وصعود سعر صرف الدولار إلى مستويات غير مسبوقة, أكل فيها المساعدات التي قدمتها الدولة للقطاع العام (مضاعفة الراتب ثلاث مرات). فعندما أقرت المساعدات كان سعر صرف الدولار أقل من ثلاثين ألف ليرة, وارتفاع سعر الصرف إلى ما يزيد عن ستين ألف ليرة, وارتفاع أسعار السلع الجنوني (صفيحة البنزين كانت بمحيط الستمئة ألف ليرة ووصل ثمنها إلى نحو مليون ومئتي ألف ليرة), أدى عملياً إلى تراجع المساعدات إلى أقل من نصف قيمتها الشرائية.
هذه الأوضاع المستجدة وتآكل رواتب الأساتذة ومساعدات الدولة, تقفل باب الحلول التي فكر بها الحلبي قبل أسبوعين. أما التفكير بمساعدة الأساتذة من أموال اليونيسف والاتحاد الأوروبي, ومن خلال تخفيف الإنفاق على المناهج التربوية (قرض البنك الدولي) فغير كافية لتأمين أكثر من تسعين دولاراً تقول المصادر.
ووفق المصادر, الأموال متوافرة في وزارة, فإلى أموال اليونيسف والاتحاد الأوروبي والمناهج التربوية ومشاريع أخرى في الوزارة, على الحلبي الضغط على القوى السياسية لتحويل قرض البنك الدولي (تبقى من القرض نحو خمسين مليون دولار) إلى حوافز للأساتذة. فحينها يستطيع دفع ما سبق ووعد به, أي 130 دولاراً عن تسعة أشهر, ويتم تمرير ما تبقى من العام الدراسي على خير. غير ذلك سيواصل الأساتذة إضرابهم المفتوح, الذي دخل أسبوعه الرابع, وسيمدد إلى أجل غير معروف. وما على الحلبي إلا رفع المسؤولية عن وزارته والضغط على القوى السياسية لإقرار قانون في المجلس النيابي, مستفيداً من الإضرابات الحالية لروابط المعلمين.