"حَلِم أبي أن يراني مرتدياً مريول الطبيب الأبيض, فالحمدلله توفي قبل أن يشهد على تركي الجامعة لأنّني لا أملك المال", بهذه الكلمات يروي الشاب "ش. ج." لـ"mtv" تفاصيل تخلّيه عن حلمه بدراسة الطبّ البشري, كما كان يحلم والده الراحل أن يراه, بعدما أجبرته إدارة إحدى الجامعات الخاصة المعروفة في بيروت على تسديد مبلغ وقدره ٧٠٠ دولاراً بدل إنترنت وأبحاث مكتبية وما شابه, ناهيك عن القسط الأساسي, ممّا دفعه إلى الاستغناء عن هذا الحلم لينزح نحو الجامعة اللبنانيّة التي فشل أساتذتها حتّى اليوم بالاتفاق على تاريخ محدّد لبدء العام الدراسيّ المهدّد أساساً بالاكتمال وسط تعذر حصولهم على مطالبهم حتّى الساعة.
في خطوة مفاجئة, قرّرت إحدى الجامعات الشهيرة في بيروت تقديم منح "مجانيّة" لطلابها, ليتبيّن لاحقاً أنّها قروض عليهم تسديدها لاحقا للحصول على الشهادة الجامعيّة.
نفقات غير ضروريّة تُعيق تخرّج الطلاب
يشرح الشاب العشرينيّ لـ"mtv" معاناته مع إدارة الجامعة التي رفعت الرسوم الفصليّة على الطلاب دون سابق إنذار تحت مسمّى "الحفاظ على جودة التعليم والخدمات", في حين أن معظم المسجلين فعلياً لا قدرة لهم على تسديد الأقساط ليتحملوا نفقات إضافية لا ضرورة لها بالدولار "الفريش".
"رفعت الإدارة الأقساط وفرضت الرسوم التي نعتبرها خوّة لتخرّجنا أو لحصولنا على ورقة الشهادة التي هي بمثابة جواز سفر تُسهل عبورنا نحو الدول الأوروبيّة أو غيرها هرباً من واقعنا التعيس, ولكن للأسف حتّى هذا الحُلم حُرمنا منه في ظلّ وجود الكارتيلات التعليميّة التي لا تأبه لمستقبلنا وتعتبرنا مجرّد أرقام لا قيمة إنسانيّة لها, فالطالب ما هو إلّا ماكينة تطبع الدولارات للجامعة, وسلام على التعليم والمستقبل والاختصاص!", يقول الشاب.
ذلّ ومعاناة للحصول على مساعدة مالية
بالنسبة لسارة (اسم مستعار نزولاً عند طلب الشابة كي لا تتعرّض لضغوطات من قبل إدارة جامعتها), وهي طالبة علوم اجتماعيّة, لم يكن الأمر مختلفاً, إذ تُشير في سياق متصل إلى أن "جامعتها لا تُقدّم لها أيّ مساعدة مالية لاستكمال تعليمها, وإذا فَعَلَت فالمبلغ يكون رمزيّاً ولا يتجاوز الـ١٠٠$ أيّ نحو الـ٤ ملايين ليرة لبنانيّة كحدّ أقصى, في وقت يتخطّى قسطها الـ٣٥٠٠ دولار, هذا وتطلب الإدارة رسالة شكر من الطلاب بعد حصولهم على المنحة", متسائلةً: "كيف نُسدّد هذه الأرقام الخياليّة؟ وما البديل؟ هل الحلّ آلّا نتعلّم لأن التعليم بلبنان "فلتان وكلّ مين إيدو إلو"؟
بغضب واستفزاز, تُعبّر الشابة عن رفضها لسياسة الجامعة الربحية غير المبرّرة, لافتةً إلى أنّها "تُذلّ من أجل الحصول على منحة جامعيّة, إذ يطلبون منها أوراقاً عدّة تُكبد الطالب مبلغاً مالياً يفوق قيمة المنحة المقدّمة لجهة طباعة المستندات والحصول عليها من مؤسّسات الدولة ناهيك عن المواصلات والطوابع, ويطرحون أسئلة لا أهميّة لها تُشعر الطالب وكأنّه يُهان مقابل مساعدة مالية ضئيلة لا تُقدّم ولا تُأخر".
منحة أم قرض؟
مع اقتراب نهاية كلّ فصل تعليميّ تعود أزمة الأقساط والرسوم الجامعية إلى الواجهة, إلّا أن ما يحصل مؤخراً, وتحديداً خلال السنة الأخيرة, فاق التوقعات, حيث نزعت بعض الجامعات ثوبها التعليميّ والتوجيهيّ وارتدت الربحية كسبيل لجني المزيد من الأموال على حساب الطلاب, الذين انتقلوا إلى جامعات شبه مجانيّة لعجزهم عن تسديد المستحقات "المفاجئة" الفصليّة وسط عدم وجود جامعات مجانيّة أصلاً.
في هذا السياق, توضح الشابة التي واجهت هذه المشكلة مع بداية العام الدراسيّ ٢٠٢١-٢٠٢٢, إذ تواصلت مع إدارتها للتوصل إلى حلّ يُنصفها فأتاها الردّ على النحو الآتي: "طالبتنا العزيزة, لا مانع لنا بمساعدتك, ولدينا القدرة على منحك قرضاً مالياً بالليرة اللبنانيّة لتسديد القسط, وأنتِ بالمقابل عليكِ تسديده لاحقاً بعد التخرّج بسنة لصالحنا بالدولار حصراً"... أيّ بمعنى آخر, تقوم الجامعة "على عينك يا تاجر" ودون خجل باعتماد نظام الربا أو الدين بالفائدة, فتُعطي الطالب المسكين ما يحتاجه كي لا ينزح باتجاه جامعة أخرى, وبالمقابل تُجبره بدفع أضعاف المبلغ لها كعربون شكر لكرم أخلاقها, أليس المضحك المبكي؟
موقع MTV