الرأي:
ينطلق العام الدراسي يوم الثلاثاء المقبل في الثانويات الرسمية. هذه العودة أعلنت عنها أمس رابطة التعليم الثانوي في بيان أتى عقب عملية تصويت في جمعيات عمومية على توصية واحدة هي "تفويض الرابطة بالتحرّك في حال عدم تحقيق ما يلي خلال ثلاثة أشهر: دفع راتبين شهرياً, بالإضافة إلى الراتب الأساسي, وصرف حوافز شهرية بقيمة 130$, وتخفيض النصاب القانوني من 20 ساعة أسبوعياً إلى 18, أو عدم تفويضها". عملية رافقتها تساؤلات وتشكيكات منذ صدور بيان الإعلان عنها يوم الثلاثاء الماضي, حتى صدور النتائج أمس.
أين صوتي؟
"حرفياً, قُلبت النتائج رأساً على عقب", يقول أساتذة تابعوا عمليات التصويت في الجمعيات العمومية أول من أمس وكانت نتيجتها الأولية "لا تفويض" مدوية. ويقدّم الأساتذة يعض هذه النتائج من المناطق. ففي بعلبك - الهرمل, صوّت 358 أستاذاً ضد تفويض الرابطة و32 مع التفويض, وفي عكار 342 رفضوا التفويض فيما فوّضها 62, وفي المتن رفض التفويض 516 وفوّضها 55. حاول الأساتذة ضمان أصواتهم ومجريات التصويت, فتناقلوا صور المحاضر, وكتبوا جداول خاصة لتوثيقها, وعاينوا الأسماء والتواقيع. المفاجأة كانت مع إعلان النتائج ظهر أمس والتي جاءت مغايرة تماماً للصورة الأولية, مرفقة بنسب فقط من دون أعداد مرجّحة كفة تفويض الرابطة بـ 45% مقابل 41% ضد التفويض.
الرابطة توضح
انهالت الاتهامات على الهيئة الإدارية بـ"التزوير وقلب النتائج وعدم نشر الأرقام", وسط مطالبات بـ"استقالتها, ورفض أيّ تعامل معها". ورفض المسؤول عن فرز الأصوات, أمين سرّ الرابطة حيدر خليفة أيّ اتهام بقلب النتائج, فـ"المحاضر القليلة التي وزّعت على الواتسآب هي ما أرادوا (دون تحديد من) تسريبه". أما عدد الثانويات والمراكز المشاركة فبلغ 253. ويضيف خليفة "هناك محاضر أُلغيت لأنّها صوّتت على توصيات مغايرة عن المرسلة, وأخرى أضافت توصيات جديدة, كما أنّ هناك محاضر مكرّرة بنتائج مختلفة". وفيما يستبعد خليفة نشر المحاضر الصحيحة عبر وسائل الإعلام, يبدي استعداده لـ"عقد مجالس مندوبين في المناطق وعرض المحاضر على الأساتذة للتأكد من صحة عمل الهيئة الإدارية".
البيان المحكم
كانت الخلافات بين الأساتذة والرابطة على كلّ شيء, وقد انعكست على أعضاء الهيئة الإدارية الذين أصرّ بعضهم على عدم عقد الجمعيات من الأساس, ومن ثمّ "صياغة البيان بطريقة محكمة تجعل من العودة إلى التعليم أمراً حتمياً" بحسب عضو الهيئة الإدارية المستقيل فؤاد إبراهيم. ويرى إبراهيم أن "النتائج معروفة مسبقاً منذ بداية الصيف, حين قالت الهيئة الإدارية: سنلجأ للجمعيات, لكن الأساتذة بتصويتهم سحبوا الثقة من الهيئة الإدارية".
صوت الخلافات كان عالياً, وإن حاول بعض أعضاء الهيئة الإدارية كتمه, لكنّه سُمع في أروقة وزارة المالية التي زاروها لمتابعة "اعتمادات بدلات النقل", حيث كان النقاش حاداً بينهم. ولكن, صيغ البيان بـ"شطارة منقطعة النظير, إذ لم تترك للأساتذة الخيار في التصويت على العودة إلى التعليم من عدمها, أو القبول بما تحقق, بل حُصرت بالتفويض وعدمه". وعليه, اعتقد معظم الأساتذة أنّ النتيجة ستكون واحدة, إما القبول بكلّ تصرفات الرابطة التي ستقوم بها لاحقاً ولا مجال للمراجعة, أو عدم القبول بتفويضها القيام بأيّ شيء, وبالتالي لن تعود للقواعد مرة أخرى في حال الإخلال بالوعود وستتصرف منفردة.
مستقبل المدرسة الرسمية
في المقابل, يبدو أنّ الجمعيات هي لزوم ما لا يلزم. ففي عدة مناطق, هناك ثانويات بدأت بالتدريس مطلع الأسبوع الجاري, ومنها قبل ذلك بكثير في شهر أيلول. هذه الصورة لا يمكن تسييسها, فالخروقات تحصل في كلّ المناطق من دون أن يكون لها لون طائفي أو سياسي محدّد. نعم, بدأ التدريس أولاً في منطقتَي الجنوب والبقاع, لكنّه يشمل حالياً الشمال وبيروت والمتن وجبيل.
وأمام المشهد الأول الرافض لتوجّهات الهيئة الإدارية, يقف مؤيدو العودة ليقولوا كلاماً لا بدّ من تسجيله. "إقفال التعليم الرسمي غاية لن نسمح بالوصول إليها" وفق أستاذ من إحدى ثانويات منطقة الضاحية الجنوبية, و"الإضراب المفتوح من دون سقف هو الطريق الأسهل للوصول إلى هذا الهدف". يعطي مثلاً على ذلك: تناقص عدد الشعب والتلاميذ في ثانوية الغبيري الثالثة, إذ انخفض عدد الشعب للصف الأول ثانوي من 11 إلى 5 العام الماضي, و3 فقط هذه السنة. كما انخفض عدد التلاميذ من 700 في الثانوية نفسها إلى 390, والرقم مرشح للتناقص أكثر هذه السّنة. ويسأل "لخدمة من إقفال المدرسة الرسمية؟" بالإضافة إلى ذلك, التناقص الكبير في أعداد التلاميذ يضرب الأساتذة أيضاً الذين سيخسرون ساعاتهم في ثانوياتهم. في المدرسة الرسمية, اليوم لم يبق سوى أبناء الموظفين والفقراء المسحوقين نهائياً الذين لا يستطيعون تأمين الـ 100$ حتى. وعليه لا يمكن القبول بإقفال باب التعلّم أمامهم, و"إلى أن تصلح أحوال الدولة علينا الاستمرار بالممكن". هي المعادلة الأصعب بين حقّ الأستاذ في العيش الكريم وحق التلميذ في التعلّم, والدولة تتفرج عليهما.
المصدر:mtv