الرأي:
شدد رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي على أن "اولويتنا هي فتح المدارس في المواعيد المقررة وان يعود التلامذة الى مدارسهم لتلقي التعليم, فالوطن لن يتعافى الا اذا انشأنا اجيالا متعلّمة ومثقفة", مذكرا بأننا "نمر حالياً بصعوبات اقتصادية واجتماعية وتربوية, والتحدي الكبير امامنا هو أن نفتتح عاما دراسيا طبيعيا, وبجهد معالي الوزير والعاملين في الوزارة".
وشكر "الجهات الدولية على دعم لبنان في العام الدراسي الماضي", آملا أن "يتكرر الدعم هذا العام الدراسي ايضا".
بدوره, أكد وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الاعمال الدكتور عباس الحلبي أن "لبنان بحاجة ملحة للدعم من اجل إنقاذ العام الدراسي", مشددا على انه "في غياب الحوافز من الجهات المانحة لن يحضر الأساتذة إلى المدارس وبالتالي لا لزوم لكل البرامج الدولية, وإذا لم يتعلم التلامذة اللبنانيون في دوام قبل الظهر بسبب غياب الحوافز فلن يتعلم غير اللبنانيين في دوام بعد الظهر", لافتا إلى "أننا لن نقترض لكي نعلم غير اللبنانيين".
كلام الرئيس ميقاتي والحلبي جاء خلال زيارة قام بها رئيس الحكومة إلى وزارة التربية والتعليم العالي ظهر اليوم, في اطار مواكبته اطلاق العام الدراسي الجديد, وعقد اجتماعا مع الحلبي, قبل مشاركتهما في اجتماع لممثلي الدول المانحة والمنظمات الدولية, لطلب دعمهم من أجل إنقاذ العام الدراسي وإنجاحه, تحت عنوان "تفادي كارثة انسانية وتربوية – العودة إلى التعلّم".
اللقاء مع الجهات المانحة عقد في قاعة المسرح في الوزارة, بحضور سفراء: إسبانيا خيسوس سانتوس إغوادو, إيطاليا نيكوليتا بومباردييري وهولندا هانز بيتر فان دير فاوديه, الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة وممثل اليونيسف في لبنان السيد إدواردو بيجبيدر , وجمع من ممثلي الدول المانحة, ومنظمات الأمم المتحدة, والوكالات الحكومية, والجمعيات الدولية الشريكة, وكبار موظفي وزارة التربية والجامعة اللبنانية والمركز التربوي للبحوث والإنماء ورؤساء روابط أساتذة الجامعة اللبنانية والتعليم الثانوي والأساسي والمهني والتقني وجمع من التربويين والإعلاميين.
بعد النشيد الوطني وتقديم من المستشار الإعلامي لوزير التربية ألبير شمعون, أشار فيه إلى "اهمية العمل المشترك لإنقاذ العام الدراسي", قال الحلبي: "في قلب الأزمات نعرف رجال الدولة . فالأزمات محك الرجال الرجال, وها هو دولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ نجيب ميقاتي يحل علينا وعلى أهل التربية , قائدا بكامل المسؤولية , في سابقة لم نعهدها في تاريخ لبنان , وفي موقف متقدم , واضح وصريح , بأن التربية قضية وطنية أولى في سلم اهتماماته, وأن أهل التربية في قلبه وضميره وفي يومياته, وليسوا متروكين لقدر مظلم, وان أبناء الوطن لن يكونوا خارج منظومة التعليم. فأهلا وسهلا دولة الرئيس, بين أهلك ومحبيك, فقد رعيت اللقاء التشاوري التربوي على مدى ثلاثة ايام في السراي واستمعت إلى كل تفاصيل الملفات التربوية , واسهمت في توفير مقومات العام الدراسي , وراهنت على الإمتحانات الرسمية كاستحقاق وطني , ونحن معك ربحنا الرهان , وانجزنا الدورة العادية , وبالأمس أصدرنا نتائج الدورة الإستثنائية , ونحضر للعام الدراسي الجديد".
أضاف: "يحل العام الدراسي الجديد ثقيلا على العائلات في لبنان, في ظل ظروف تزداد صعوبة على الصعد كافة, إذ انه يتزامن مع انهيار إضافي في سعر صرف العملة اللبنانية تجاه الدولار الأميركي, ومع مساع لتشكيل حكومة جديدية وتحضيرات لانتخاب رئيس جديد للجمهورية , إضافة إلى ازمات داخلية وخارجية لا تعد ولا تحصى. وعلى الرغم من كل ذلك فإن عزمنا وتصميمنا واضحان لجهة فتح المدارس والمعاهد الفنية والجامعات , والعودة إلى التعليم الحضوري , وكلنا امل بأن يتجاوب مع تصميمنا الشركاء والأصدقاء في العالم".
وتابع: "انطلاقا مما تقدم, نجتمع اليوم لتجديد الشراكة في ما بيننا , ولعرض خطط العودة إلى التعليم والتعلم , والتي سوف تتناول القطاع التربوي الرسمي بأكمله, بما في ذلك الجامعة اللبنانية, والتعليم المهني التقني, والتعليم العام, والمركز التربوي للبحوث والإنماء, في حضور ممثلي روابط الأساتذة والمعلمين. نحن في مواجهة خطر الانزلاق إلى كارثة انسانية محققة نتيجة الانهيارات المعيشية والاجتماعية والمالية, والقطاع التربوي ليس بمعزل عن هذه الانهيارات, من تصاعد مطالب المدارس الخاصة ودولرة الأقساط واستيفاء الدولار الأميركي من الأهالي الذين لا يستطيعون في غالبيتهم الاستمرار بهذه الحال, مما يؤدي إلى التسرب من المدارس أو المهنيات أو الجامعات الخاصة إلى المؤسسات الرسمية, ويجعل المؤسسات الرسمية غير قادرة على تأمين مستلزمات النوعية الجيدة في التعليم, والبيئة الآمنة الحاضنة".
وأردف: "أما في ما خص التعليم العام والتعليم المهني, فإنني أتوجه بالشكر إلى الجهات المانحة كافة, التي استجابت في العام الدراسي الماضي إلى تأمين سلة من الحوافز والعطاءات المالية والهبات العينية: من طباعة الكتب المدرسية وتوزيعها, والقرطاسية والأجهزة الإلكترونية ووجبات الطعام والحصص الغذائية, وضخ كميات من النقد في صناديق المدارس للمساعدة بتغطية الكلفة التشغيلية, وقد تعرضت هذه الكميات من النقد إلى التضييق في سقف السحوبات من جانب المصارف كونها أودعت بالليرة اللبنانية في حسابات المدارس لدى هذه المصارف, وقد شملت هذه العطاءات مبلغ ال 90 دولارا كحوافز للمعلمين والعاملين في المدارس , ما أتاح عاما دراسيا طبيعيا إلى حد ما , وقد حققنا إنجاز الامتحانات الرسمية وأعدنا الاعتبار للشهادة الرسمية وانجزنا الدورة الإستثنائية , كما استفاد المعلمون والعاملون في الامتحانات الرسمية من العطاءات لتأمين المراقبة والتصحيح وإصدار النتائج".
وقال: "لقد اسهمت هذه الهبات أيضا في تمكين الوزارة من تنفيذ برنامج التعافي, والإهتمام بالدمج المدرسي ورفع المدارس الدامجة إلى ستين بدلا من ثلاثين , وحماية الطفل وتعويض الفاقد التعليمي وتدريب المعلمين على التعليم الإجتماعي الإنفعالي, وتنفيذ المدرسة الصيفية للعام الثاني على التوالي, والتي أتاحت لنحو 97 ألف طفل وطفلة , متابعة الدروس والمشاركة بأنشطة تربوية وترفيهية, ضمن إطار من الدعم النفسي والاجتماعي".
أضاف: "من جهة ثانية, فقد تابعنا مع المركز التربوي للبحوث والإنماء , ورشة تحديث مناهج التعليم العام ما قبل الجامعي, وتدريب المعلمين, وتأهيل المباني المدرسية وأيضا جمع البيانات ضمن النظام الموحد SIMS. كما أطلقنا مع الشركاء آليات التمويل التي تعتمد على الشفافية والحوكمة الرشيدة. إننا نتوجه بالشكر العميق , لجميع من أسهم في تحقيق هذه الانجازات , من معلمين وإداريين ومنظمات محلية ودولية وجهات مانحة. لم تتوافر لدينا هذه السنة وحتى هذا التاريخ , سلة عطاءات تأخذ في الاعتبار الفروقات الهائلة التي حصلت في الوضع المعيشي , وتدني قيمة الرواتب والأجور وبدلات النقل وكلفة التشغيل , حيث كانت كلفة صفيحة البنزين نحو 200 ألف ليرة وباتت الآن تقارب 700 ألف ليرة, والجميع يتوقع أن يتحول استيفاء قيمة البنزين بالدولار الفريش , مما يعني استحالة انتقال الأساتذة والمعلمين والعاملين والطلاب والتلاميذ إلى الجامعات والمعاهد والمدارس".
وتابع: "من جهة ثانية نسعى مع حاكم مصرف لبنان لنستوفي الأرصدة المتبقية في صناديق المدارس بهدف تمكين المدارس من تغطية كلفتها التشغيلية. تبقى أمامنا عقدة الكهرباء والانترنت للمدارس والتلاميذ ما يستوجب توفير ميزانية خاصة مركزية لدى الوزارة لتوريد مادة المازوت إلى المولدات من جهة, ودراسة إمكان تركيب نظام طاقة شمسية بديلة من جهة أخرى. وفي حال لم تتوافر هذه العطاءات , نعتقد أن الأساتذة والمعلمين لن يلتحقوا بصفوفهم, كما نعتقد أن التلامذة في التعليم ما قبل الجامعي لن يستطيعوا الالتحاق بمدارسهم , ولا قدرة لأهاليهم على تغطية كلفة النقل والمستلزمات , الأمر الذي يشكل تهديدا حقيقيا لاستمرارية المدرسة الرسمية التي تؤمّن التعليم الأساسي خصوصا للفئات المهمشة والفقيرة, بحيث تصيب هذه المشكلة ما يزيد عن 300 ألف تلميذ وتلميذة.
وإذا ما استمرت دولرة الأقساط في المدارس الخاصة على النمط الذي أصبح معروفا, وتسرّب التلامذة من الخاص إلى الرسمي سنكون أمام عقبة عدم القدرة على افتتاح العام الدراسي , وهنا تكمن المشكلة الإنسانية التي نتحدّث عنها.
أما التعليم المهني والتقني الذي يعتبر الخزان البشري لليد العاملة , فهو يعاني أيضا من التحديات التي ذكرناها من تجهيزات وفيول وانترنت ويحتاج إلى تضافر الجهود لدعمه والنهوض به كي يبقى مساحة متاحة للتلامذة الراغبين بالتوجه بعيدا عن التعليم الأكاديمي العام".
وأردف: "هذا الخطر ينسحب أيضا على الجامعة اللبنانية, التي تفتقر إلى مقومات الصمود, ولن نستكين حتى يستقر العام الدراسي الجامعي ,ويتم تامين الحد الأدنى المقبول ليعيش الأستاذ الجامعي بكرامة , وتفتح الجامعة اللبنانية أبوابها امام اساتذتها وطلابها , وتتوافر لها اعتمادات التشغيل والطاقة واللوازم المخبرية , وإننا مع رئيس الجامعة وعمدائها ورابطة اساتذتها , نعول الكثير على الدعم الذي نتلقاه من دولة الرئيس ومن المعنيين , لكي نعيد إلى الجامعة اللبنانية دورها وحضورها وتألقها , وإن أي تراخٍ في هذا الموضوع سوف يؤدي إلى هجرة الأدمغة ويحرم لبنان من النخب التي يعول عليها في عملية النهوض, وهي خسارة لا تعوّض للرأسمال البشري الذي هو نتيجة نظام تربوي ما قبل الجامعي ومهني وجامعي وهي الميزة التي جعلت لبنان مصدرا للكفاءات ومعقلا للانفتاح على كل الثقافات والحضارات".
وقال: "إنني اتكلم بصراحة ووضوح تامّين, إذا لم يتوافر التعليم للبنانيين, فإننا نعلن أنه لن يكون بوسعنا تعليم غير اللبنانيين. ليس لأننا ضد تعليم غير اللبنانيين, فنحن نعلن كل يوم التزامنا بتقديم التعليم الجيد إلى جميع التلامذة الموجودين على الأراضي اللبنانية , بل لأن اللبنانيين عبر التاريخ باعوا الأرض التي يعيشون من غلالها ليعلّموا أبناءهم, ولن نسمح بألا يتعلموا في القرن الواحد والعشرين, مما قد يتسبب في طبقية في التعليم تؤدي إلى ثورة لا تحمد عقباها. فضلا عن أن هذا الموضوع, وكما هو معروف, موضوع سجال في لبنان حول عملية دمج السوريين مع اللبنانيين, وموقفنا منسجم مع موقف الحكومة برفض هذا الأمر وتعطيل أي محاولة بهذا الخصوص".
أضاف: "المشكلة الإنسانية الناتجة عن هذا التوصيف الدقيق سيؤدي حتماً إلى تفاقم الأزمات والانهيارات في البلد, ومن جهة ثانية سيصبح التسرب من المدارس حقيقة واقعة تكاد أن تصبح كارثة انسانية بكل المعايير, ويصبح البلد معرضا للخطر الأمني وإدمان المخدرات والأعمال الإرهابية وشتى أنواع الإنحرافات الشبابية , وربما يوحي بأن هذه المشكلة تصبح عصية عن الحل. إننا لا نهوّل بالمنسوب العالي للخطر الذي سيواجهنا, لكننا نحاول أن نستدركه بالتوجه إلى الجهات المانحة والدول الصديقة , التي وإن كان لها مواقف في السياسة تجاه لبنان تجعلها تمتنع عن مد يد المساعدة إليه, إلا أن كل مواقف الدول الصديقة كانت تستثني من الموقف السياسي الرافض لأي مساعدة نتيجة عدم قيام الدولة اللبنانية بما هو مطلوب تجاه المجتمع الدولي, إلا أنه في الواقع أن الاستثناء كان للدواعي الإنسانية وأعمال الإغاثة وكل ما له علاقة بضمان استمرار المرافق العامة التي تحول دون الانهيار الشامل والارتطام الكبير".
وتابع: "في ظل هذه الظروف لم تتوقف الوزارة عن العمل على تحضير الخطط للعام الدراسي المقبل, وسنعرض اليوم الخطط والبرامج الموضوعة من جانب الجامعة اللبنانية والتعليم المهني والتقني والمديرية العامة للتربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء, والتعليم العالي والجامعة اللبنانية , بهدف الإضاءة على الأولويات والحاجات الملحة, والتحديات والمخاطر, والكلفة المقدرة لتنفيذ البرامج وكذلك الفجوة في التمويل".
وأردف: "نجتمع اليوم لنقول للجهات المانحة والمنظمات الدولية التي نعرف تماما مدى حرصها على تفادي حدوث انهيار اجتماعي في لبنان, ان الوزارة بكامل وحداتها جاهزة لإطلاق العام الدراسي المقبل, والبدء بالتسجيل وانتظام الدراسة مطلع الشهر المقبل, إنما نحن في حاجة إلى الدعم من جانبكم لسد الفجوات في التمويل والتي تعجز الموازنات المتاحة لنا من تغطيتها. ونؤكد مجددا على تمسكنا بتطبيق البرامج والخطط في إطار متكامل من الشفافية والمحاسبة والحوكمة الرشيدة. , واننا لن نقترض لتعليم غير اللبنانيين".