الرأي:
قصة جديدة تروي صلة الرحم, التي تربط أبناء لبنان في الاغتراب بالوطن. هذه المرة مهرجان سينمائي, أبى مؤسّسه غوتييه رعد (مخرج لبناني ـ فرنسي) المقيم بين فرنسا والولايات المتحدة الأميركية, إلاّ أن يكون المهرجان في لبنان ومن أجل لبنان.
يتميّز المهرجان اللبناني للأفلام المستقلّة, منذ انطلاقته في العام 2016, بأنّه يجمع العمل السينمائيّ إلى الجانب الإنسانيّ من خلال مشاركة جمعيّات من المجتمع المدني. ويمتدّ المهرجان بدورته السادسة على مدار 3 أيام, في 1 و 2 و 3 أيلول/ سبتمبر 2022 في Station Beirut, وفي بلدة دوما في شمال لبنان.
يؤمن غوتييه رعد بأنّ "بلدنا هو مسؤوليتنا, ومسؤوليتنا الثقافة في بلدنا... وليس مسؤوليّة أيّ أحد, ولا حتى المسؤولين في السلطة"؛ لذلك يصرّ على أن تنطلق فعاليات المهرجان من لبنان. يضيف: "حبّيت بلّش من لبنان لأنني لبناني, وإذا أنا لم أعطِ مبادرة ذاتيّة خاصّة في ظلّ الظروف الصعبة, فلن يكون لها معنى في ما بعد".
مثله مثل الكثيرين من أبناء جيله, يعتبر بأنّ هناك العديد من المواهب في مختلف المجالات, ومنها الإخراج, ولكن الظروف تدفع بهم إلى المغادرة. هذه الفكرة من الأسباب الرئيسية التي دفعت به إلى إطلاق المهرجان "كي أشعر بأنّ ثمة ما يمثّل كل العالم بالأفلام, وأن يكون مساحة لأصوات الكلّ". والأفلام المستقلّة تفي بهذا الغرض, لأنها تعبّر عن أفكار الشباب, وهي "مستقلّة بالتفكير والإخراج والسيناريو (...), وهو ما يساعدنا على التطوّر والتقدّم إلى الأمام".
السينما والمجتمع المدنيّ يداً بيد
يؤكّد غوتييه أننا في لبنان بحاجة إلى هذا النوع من الأفلام, والتطرّق إلى مواضيع نخافها, أو نتجنّب التحدّث بها. لذلك, بعد عرض الأفلام, هناك حلقات حوار لمناقشة الفيلم وأبعاده. وإلى جانب الشخصيات الفنية ـ السينمائية, يُشارك في حلقات الحوار اختصاصيّون من المجتمع المدني. وهذه السنة يتعاون المهرجان مع: جمعية العناية الصحيّة للتنمية المجتمعيّة الشاملة, جمعية "أمبريس" للدعم النفسيّ وجمعية حماية.
فلماذا التركيز على المجتمع المدني في كلّ دورة؟
يعلّل غوتييه ذلك بأنّ المهرجان اللبناني للأفلام المستقلّة والمجتمع المدني يلتقيان على هدف مشترك: التوعية والتغيير ورفع الصوت حول المواضيع "الحسّاسة" في المجتمع, وتطوير المجتمعات, سواء أكان من الناحية الفكرية أم النفسيّة. من هنا أهمية عرض الأفلام بالتزامن مع حضور ممثّلين عن الجمعيات, "والعمل يداً بيد من أجل تحقيق الهدف المرجوّ". هذه التوعية بالدرجة الأولى تتمثّل باختلاف المواضيع التي تتناولها الأفلام, ويفوق عددها الـ100 من مختلف أنحاء العالم, منها مثلاً حول الصحة النفسية وأهميتها, ثمّ النقاش حولها مع أهل الاختصاص أيضاً.
وهنا, تجدر الإشارة إلى أنّ إحدى الجوائز مخصّصة للصحة النفسيّة, إلى جانب أخرى تتوزّع ضمن 28 فئة, منها: أفضل فيلم أجنبيّ طويل, أفضل فيلم وثائقيّ أجنبيّ قصير, أفضل سيناريو للمسلسلات fiction-web, جائزة البحر المتوسط, جائزة التنوع, أفضل فيلم روائيّ عربيّ قصير, أفضل فيلم روائيّ عربيّ طويل, أفضل مونتاج, أفضل ممثل/ممثلة, مسابقة السيناريو للطالب...
نعمل المهرجان من "حلاوة الروح"
هذه الرسالة الإنسانية ـ التوعوية التي يحاول سنوياً أن يؤدّيها المهرجان اللبناني للأفلام المستقلّة, الذي هو برعاية السفارتين الكندية والسويدية في لبنان, تواجهها تحدّيات كثيرة, أهمّها ماديّة. وعلى الرغم من أنّ "المهرجان عم نعملو من حلاوة الروح", ولكن "لا بدّ من أن يُقام", خاصة في ظلّ الظروف الحالية, "لأنو منحبها لبيروت ورح تضلّ عاصمة الثقافة".
أمّا عن فعاليات المهرجان في منطقة دوما, فيقول غوتييه إنّه من المهمّ الخروج من العاصمة والصعود إلى القرى لعدّة أسباب, أهمّها الظروف المعيشية, و"مش الكلّ قادر ينزل ع بيروت مع أزمة البنزين, لذلك نحنا قرّرنا نروح لعندن".
إنّ استمرارية المهرجان اللبناني للأفلام المستقلّة منوطة بإيمان غوتييه بلبنان وشغفه بالسينما. هذا إلى جانب ازدياد عدد المشاركين في المهرجان سنوياً, وثقة الجمهور بالمهرجان.
ومن سنة إلى أخرى, ومن نسخة إلى أخرى, فإنّ غوتييه رعد لديه قناعة بوجود فرصة للتغيير "وطريقتنا هي الفنّ والسينما". وإن لم يأتِ التغيير الذي يحلمون به, "نبقَ في سعي لذلك... ونكن في الوقت ذاته غيّرنا جوّ للعالم, وجعلناهم يفكّرون أبعد من همومهم اليومية".
المصدر: النهار