أعطني قضاء أعطيك دولة؟ لقد أرتبطت كلمة العدل بجميع الكتب السماوية, لأن العدل هو الأمان بالنسبة للأنسان وهو أساس الملك وهو الأمان للضعيف والفقير من غدر الزمان. هو العدل لمن يستغل منصبه لأمور شخصية ويحقق ثروات على حساب خزينة الدولة. فكان القاضي الشريف والنزيه الأستاذ (رياض أبو غيدا) حازما" رادعا" لكل التدخلات وأصدر قراره الجريء منذ أريع سنوات على من كان المفترض عليهم أن يكونوا الأحرص على المال العام وصحة المواطنين. هذا القاضي النزيه الذي يعتبر مبدأ أستقلال السلطة القضائية من المبادىء المهمة والحيوية التي تتعلق بحقوق الإنسان. فكان القرار بعد أنتظار دام أربع سنوات, أصدرت المحكمة العسكرية برئاسة العميد منير شحادة أحكامها ضد ٢٧ متّهماً في "الفضيحة" التي هزّت قوى الأمن الداخلي جرّاء تورط قائد وحدة وضباط ورتباء في سرقة مليارات الليرات من أموال المساعدات المرضية الخاصة بعسكريي المديرية, التي قُدّرت بنحو ٣٦ مليار ليرة!
لم يكن متوقّعاً الحكم الذي صدر بحق عدد من الضباط المتورّطين في اختلاس مليارات الليرات بعد مرور أربع سنوات على بدء التحقيقات. توقّعات بعض المحامين على عتبة المحكمة العسكرية أمس رجّحت الاكتفاء بمدة التوقيف التي ناهزت السنتين, إلا أنّ حكم المحكمة العسكرية الذي صدر في وقت متأخر من ليل أمس, قضى بإنزال عقوبة السجن لمدة خمس سنوات بحق القائد السابق لوحدة الإدارة المركزية في قوى الأمن العميد محمد قاسم وتغريمه ٢٥٠ مليون ليرة ومصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة. العقوبة نفسها كانت من نصيب أحد ضباط الشعبة الإدارية المقدم محمود القيسي, لاعتباره المعاون الأساسي وشريك العميد في الجرم المرتكب, علماً أنّ قاضي التحقيق العسكري السابق رياض أبو غيدا, الذي تولّى التحقيق في قضية استجوب فيها عشرات الضباط ومئات العسكريين, كان قد اتهم الموقوفين بجناية اختلاس واستثمار الوظيفة وإساءة استعمال السلطة. وقرّرت المحكمة أمس إنزال العقوبة الأشد بحق المتّهمين.
أكّد الحكم الخلاصة التي توصّل إليها قاضي التحقيق بأنّ قائد وحدة الإدارة المركزية في قوى الأمن الداخلي العميد محمد قاسم كان قد أنشأ شبكة احتيال وسرقة وتزوير مؤلفة من ضباط ورتباء وعناصر, كانت مهمتها التلاعب بالفواتير والمساعدات الاجتماعية بُغية اختلاس الأموال العمومية وتقاسمها في ما بينهم. كذلك تبين أنّ المتّهمين اختلقوا فواتير شراء أدوية واستشفاء, وعمدوا إلى التوقيع على مساعدات مرضية مزوّرة. كما اشتركوا مع آخرين بارتكاب الغش في نوعية المواد المسلّمة في التلزيمات المخصّصة لإقامة الأبنية الرسمية أو تجهيزها. كما غشّوا في مواصفات المواد والقطع المستعملة في غيار آليات قوى الأمن الداخلي. وبالعودة إلى التحقيقات, سُجّلت ثغرة أساسية تتحمّلها قيادة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي, التي وافقت على وضع أموال المساعدات المرضية والاجتماعية, التي كانت تَرِد إلى المديرية, في حساب شخصي للضابط المسؤول عن صرف تلك المساعدات. وكان الأخير يودع الأموال ويسحبها من دون تنظيم أي جردة, سواء بالأموال التي سلّمها أو التي دفعها, ثم يطلب غيرها بالمليارات من دون أي مستند يثبت صرفه المال المُسلّم إليه سابقاً.
وكشفت التحقيقات أنه خلال عام ٢٠١٣ تمّ وضع شيكات بمبالغ كبيرة باسم رئيس مكتب التسليفات الذي كان يتقاضى الفوائد عنها خلافاً للقانون. كما تبين وجود جداول وهمية بتواقيع مزوّرة لمساعدات مرضية واجتماعية من دون علم أصحابها. وكشفت التحقيقات تلاعباً بعروض الأسعار لتصليح الآليات المقدمة من الكاراجات المتعاقدة مع قوى الأمن, وشراء قطع غيار للآليات بالفاتورة بدلاً من المناقصة العمومية المفروضة.
الضباط والرتباء الذين صدرت بحقهم الأحكام ليل أمس, بينهم أمين سر القائد السابق لوحدة الإدارة المركزية, المؤهل أول خالد نجم الذي صدر الحكم بسجنه أربع سنوات مع إلزامه بدفع غرامة ومصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة. وحُكم على العميد نزار بو نصر الدين بالسجن لمدة سنتين ودفع غرامة ١٠٠ مليون ليرة ومصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة. كذلك صدرت أحكام بالسجن أربع سنوات على رتيبين, وبالسجن لمدة سنتين بحق رتيب, ومصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة.
أثبت الحكم الصادر أنّ الفوضى وغياب المحاسبة أديا إلى تطوّر السرقات بأُطر مختلفة, فعمد الضباط والرتباء المتورّطون إلى تزوير لوائح اسمية ودسّ أسماء عسكريين متوفين أو متقاعدين منذ زمن طويل.
والسؤال هنا لماذا هذا التأخير رغم أهميته في التأخير بأصدار هذا القرار الذي كان أنجزه القاضي رياض أبو غيدا منذ أربع سنوات ولكن تحت شعار تأتي متأخرا" أفضل من أن لا تأتي أبدا" لا بد لي أن أتوجه بالشكر لهذا القاضي الشريف أبن بلدة حاصبيا التي نفتخر به ففي هذا القرار كان على الإعلام أعطاء القاضي الأستاذ رياض أبو غيدا المساحة الواسعة والاشادة بما قام به وهنا أريد أن أنوه أنه لا يحب الظهور الأعلامي ولكن الحق يجب أن يقال في رجل كبير بأخلاقه ومناقبيته وتربيته فكم نحن بحاجة إلى أمثال هذا القاضي الكبير حتى يكون للقضاء كلمته في محاسبة كل من يستغل منصبه لمصالحه الخاصة فيستقيم العدل ويعم الأمن ويحاسب المجرم
بقلم الكاتب نضال عيسى