ليس من السهل أن تتعاطى مع الناس, هذا في المبدأ, فكيف إن كنت محامٍ, تتعاطى مع همومهم ومصائبهم ومشاكلهم. هم يلقون بذلك عليك ويرتاحون, بينما تحمل وزرها ولا ترتاح. تشعر دائما أنك مهما فعلت مقصّر, فـ "شكرا أستاذ يعطيك العافية", نادرا ما تدخل في مفردات نهارك. غير أنك تمضي ولا تنتظر كلمة ثناء أو مديح, من هنا أو هناك, فأنت تحمل رسالة تؤديها بكل ضمير, تبذل في سبيلها من وقتك وتعبك وجهدك ومعرفتك, في سبيل إحقاق الحق وإنجاز مصالح الناس.
أنت محام, قدّر لك, أن تحمل همومك الشخصية وهموم الناس, فتقدّم في أكثر الأحيان هموم الناس على همومك.
ولكن السؤال, هل يملك المحامي هموماً وهو المتخصص في معالجة هموم الناس؟ نعم, وكثيرة هي همومه, وإن إستعرضنا القليل.
في الشأن المعيشي, يواجه المحامي تردي الأوضاع الإقتصادية التي تنعكس عليه بشكل حتمي نتيجة تأثر أوضاع موكليه الإقتصادية ونتيجة تحسسه معهم. فأكثريّة الإستشارات باتت مجانية (عبر الهاتف أو حتى الواتساب) وعلى شكل "معليش إستاذ سؤال وممنونك عم عزبك معي".
أمّا يتقاضاه المحامي من أتعاب الدعاوى, فبات غير كاف ليسد احتاجاته الشخصية والعائلية, وقد زاد في ذلك صعوبة ارتفاع سعر الصرف, بحيث اصبح المحامي غير قادر على مجاراة هذا الإرتفاع في تحديد أتعابه لعدم قدرة أكثرية موكليه على تحمل ذلك, ما قد يعني خسارتهم وإنعدام المورد, وغير قادر في الوقت ذاته على تحديد أتعابه على سعر الصرف الرسمي في وقت يحاسب هو في تأمين تجهيزات مكتبه على سعر صرف السوق من قبل مورديه.
أمّا مدخوله من الوكالات السنوية للشركات, فتأثر بدوره نتيجة تأثر الشركات بالأوضاع الإقتصادية وإعتبارها أتعاب المحامي من المصاريف الواجب تقليصها.
هذا في المكتب. أمّا في ما يعرف بالـ INHOUSING, أي داخل الشركات والمصارف وغيرها, والذي تنامى في الفترات القريبة السابقة نتيجة صعوبات العمل الأساسي أي "المحامي في مكتبه الخاص", فهذا العمل بدأ يتأثر بدوره بالصعوبات التي تعانيها الشركات, فبات من يتعاطى هذا النوع من المحاماة يفكر جديّا في الإنتقال للعمل في الخارج.
في الشأن العملي اليومي, أرخت جائحة كورونا بثقلها على عمل المحامي. فبات دخوله "قصر العدل" أو أي دائرة حكومية, محفوفا بالمخاطر الصحية بالنظر إلى الاختلاط الذي تفرضه عليه هذه الأماكن, وأصبح ينتظر, بعد كل زيارة, إتصالاً من النقابة يدعوه إلى حجر نفسه وإجراء فحص الـ PCR, لأنه سجلت حالة إيجابية أو أكثر في القلم حيث تواجد أو في الدائرة التي قصدها. هذا بالإضافة إلى تعثر عمله نتيجة الإقفالات المتكررة وتوقف قصور العدل عن العمل نتيجة إضراب من هنا أو إقفال من هناك.
يكفي ما تقدم, للدلالة على الصعوبات التي يعانيها المحامي, رغم بذله للجهود المضاعفة في زمن الأزمات, ليؤمن المورد من "المهنة الرسالة", من دون نتيجة مرضية في أغلب الأحيان. فبات المحامي مهددا جديا في عيشه, فهل نشهد هجرة للمحامين؟ أم يصمد المحامي إلى أن تنقضي الأزمة؟