في اليوم العالمي للتراث الذي اطلقه "مجلس اوروبا في العام 1991 تفتح المواقع الاثرية والرسمية والمتاحف الخاصة والعامة ابوابها مجانا امام الجمهور, في عطلة نهاية الاسبوع الثالثة من ايلول من كل عام. وللمرة الأولى ينضم "قصر الصنوبر" في لبنان الى قائمة هذه المواقع, لكونه مقرا رسميا فرنسيا, ليستقبل الجمهور اللبناني غدا الأحد 18 ايلول, الذي سيتمكن من زيارة هذا المعلم التاريخي الذي يشكل نقطة التقاء لبنانية- فرنسية مشتركة.
يعود تاريخ هذا القصر, الذي يعد من اجمل قصور السفارات في العالم, الى اوائل القرن العشرين حين استأجر ألفريد موسى سرسق, من بلدية بيروت, حرش صنوبر تبلغ مساحته 600 ألف متر مربع لاقامة كازينو. وبدأ البناء في العام 1916 باشراف المهندسين المعماريين جوزف افتيموس وبهجت عبد النور, لكن الحرب العالمية الأولى حولت وظيفته الى مستشفى ثم ناديا عسكريا.
في تشرين الثاني 1919 باشر المفوض السامي الفرنسي الجنرال غورو عمليات استملاك القصر. وفي 21 ايلول 1921 تنازلت عائلة سرسق عن حقوقها الى الدولة الفرنسية لقاء مبلغ مليون و850 ألف فرنك فرنسي, وأصبحت مالكة المباني, لكن الأرض بقيت مستأجرة من بلدية بيروت حتى العام 1972 حين تم توقيع الاتفاق بين محافظ بيروت شفيق ابو حيدر والسفير الفرنسي فونتين على بيعها, واصبحت ملكا للدولة الفرنسية.
بعد انهيار الامبراطورية العثمانية, انتقل لبنان الى عهد الانتداب الفرنسي, وتحول المكان الى مقر اقامة تعاقب عليه جميع المفوضين الساميين من جورج بيكو في العام 1918 حتى الجنرال كاترو عام 1941 , مرورا بالجنرال غورو الذي اعلن استقلال دولة لبنان الكبير في ايلول 1920 من على مدخله , كما تشير اللوحة الموضوعة هناك. وسكنه كذلك الجنرال شارل ديغول عام 1942 بصفته قائد فرنسا الحرة. وبعد الاستقلال تحول مقرا للسفراء الفرنسيين.
موقعه على خطوط التماس اثناء الحرب اللبنانية شكل خطرا على قاطنيه من السفراء الذين هجروا منه, واحتلته الميليشيات في العام 1975, وعاثت فيه خرابا اضافة الى التدمير الذي طال اقسام كبيرة منه بفعل القصف والاجتياح الاسرائيلي. وتحول في العام 1982 مستشفى تابعا للجيش الفرنسي ومقرا عاما للمراقبين الدوليين إثر دخول "القوات المتعددة الجنسيات" الى لبنان وبقيت فيه 4 سنوات, لتتسلم حراسته بعد مغادرتها قوى الأمن الداخلي ابتداء من 8 نيسان 1986.
بعد انتهاء الحرب أطلق وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه في العام 1993 مسابقة لترميم قصر الصنوبر, فاز بها مكتب ( Sud Architects) , وأطلق الرئيس جاك شيراك ورشة ترميمه اثناء الزيارة الرسمية التي قام بها الى لبنان في نيسان 1996 , بعد ادراجه على لائحة الجرد العام للمباني التاريخية في العام 1995 , وعاد بعد سنتين ليفتتحه من جديد في ايار 1998 مقرا لاقامة جميلة وهادئة للسفراء الفرنسيين في لبنان بين اشجار الصنوبر المعمرة.